
تعريف المجتمع المعرفي والاقتصاد المعرفي
يُفيد توضيح المقصود الدقيق لبعض المصطلحات في شرح معناها والعلاقة فيما بينها. فمثلاً، هناك فرق كبير بين الاقتصاد المعرفي واقتصاد المعرفة، وبين المجتمع المعرفي ومجتمع المعرفة. وكذلك بين المجتمع المعرفي ومجتمع المعلومات. ويلاحظ الخلط بين هذه المصطلحات في الإعلام العربي. تُعتَمَدُ عالمياً في أدبيات التحول نحو المجتمع المعرفي التعاريف والمصطلحات التالية، وتستعملها معظم المنظمات الدولية (أنظر الشكل رقم 1)، ومن المهم التنويه أن اللغة والثقافة الوطنية تأخذ دوراً هاماً ومتعاظماً جداً في هذه التحول، وكذلك الأصول غير المادية في الاقتصاد:
الشكل: (1)
إن تعليم السيطرة على هذه الأنواع الخمسة من المعرفة يجري عبر وسائط مختلفة. “فمعرفة المعلومة” و “معرفة العلة” تؤخذان من الكتب والمؤسسات التعليمية والتدريبية ومن قواعد المعلومات. أما النوعان الآخران فلا يؤخذان كاملاً إلا بالممارسة. إن توفير المعرفة باللغة الوطنية (العربية) وتحويلها إلى معلومات رقمية يجعلها تتحول الى سلعة تزداد أنواعها يوماً بيوم ويزداد دورها في الاقتصاد العالمي الذي يتجه نحو ” الاقتصاد المعرفي” ويساهم مشروع الفهرس العربي الموحد في ذلك مساهمة قيمة.
مجهودات دولية في التحول إلى المجتمع المعرفي
إن دراسة تجارب بعض الدول التي نجحت في التحول نحو الاقتصاد القائم على المعرفة يعطي دروساً يستفاد منها. لقد تحولت الدول المتقدمة إلى المجتمع المعرفي والاقتصاد القائم على المعرفة خلال الربع الأخير من القرن الماضي. وتعمل العديد من دول العالم النامي على تغيير سياساتها الاقتصادية والسعي لتحقيق هذا التحول. إن تغيير هذه السياسات يؤدي إلى رفع القدرات التنافسية والإنتاجية للاقتصاد رفعاً كبيراً يغير من منحنى النمو الاقتصادي، أي التزايد في الناتج المحلي الإجمالي الذي ينعكس على دخل الفرد. إذ يزداد معدل النمو بشكل ملحوظ بحيث ينتقل من منحنى النمو السائد لدى الدول النامية إلى المنحنى المألوف للدول المتقدمة التي تحولت إلى مجتمع المعرفة، لقد شهدت عدة دول نامية مثل هذا التغير منها كوريا الجنوبية وسنغافورة.
اتخذت كوريا خطوت هامة جداً في دخولها الاقتصاد القائم على المعرفة خلال العقدين الأخيرين، (الشكل رقم 3).
وكانت كوريا قد بدأت بوضع “خطة شاملة لبناء الاقتصاد القائم على المعرفة” وذلك منذ عام 1999م، فركزت الخطة على إعطاء أهمية قصوى لتطوير الموارد البشرية، والبحث والتطوير والابتكار، والبنية التحتية لنشر واستثمار المعرفة مع الاهتمام الكبير باللغة الكورية وترجمة المعارف إليها، وتحسين المؤسسات المعرفية، وتحفيز الشركات للاستثمار في المعرفة، والاهتمام بإدارة المعرفة، والتحول نحو المؤسسات الاقتصادية كثيفة رأس المال وكثيفة المعرفة، وإنماء الشراكات، وكل هذا دعم تحولها إلى “المجتمع المعرفي”.
وكانت كوريا قد وضعت ونفذت إستراتجية باسم (cyber korea 21 vision) منذ عام 1997م، وقبلها “الخطة الشاملة لتنمية المعلومات ( 1996-2000م) التي طورت في حزيران 1997م لتصبح تحت البند الخامس من قرار حول إطار إنتاج المعلومات
Frame work Act on Information Production الذي احتوى في قسمه الأول على الرؤية لبناء المجتمع القائم على المعرفة. ويبين الشكل رقم (3) كيف ازداد دخل الفرد (GDP/capita) من حوالي 1000 دولار عام 1960 ليزيد عن 13 ألف دولار عام 2005م . منها 3000 دولار لتأثير عاملي المال والعمالة و 9000 دولار لعوامل المعرفة (TFP). كما يوضح الشكل مقارنة مع منحني النمو الاقتصادي للمكسيك التي لم تأخذ بالتوجه نحو المجتمع المعرفي.
وينطبق هذا النهج على العديد من الدول كسنغافورة وإيرلندا وماليزيا وتركيا.
الأصول غير المادية والاقتصاد المعرفي
من الظواهر الاقتصادية الهامة في الاقتصاد المعرفي تعاظم الأصول غير المادية بالمقارنة مع الأصول المادية (intangible assets versus tangible assets ) . فمن الأصول المادية: الأبنية والعقارات والآلات غير الذكية والمواد والمفروشات والأصول المالية ، ومن الأصول غير المادية: المعرفة كنتائج البحث والتطوير وكبراءات الاختراع والبرمجيات والملكية الفكرية أو حقوق التأليف والنشر وقواعد المعطيات والمعلومات، والذكاء الاصطناعي والمعلومات الضخمة وأمثالها. والمعرفة من الأصول غير المادية واللغة وعاؤها وصناعة المعرفة تشمل: تصميمها وإنتاجها ونشرها ونقلها واستثمارها وإدارتها. ومن أنواع صناعة المعرفة: الصناعات الإبداعية والصناعات الثقافية، وصناعة المحتوى. كما أن اقتصاد المعرفة وما يشمل من الاقتصاد الرقمي واقتصاد الإنترنت يتكون بشكل أساسي من أصول غير مادية.
وكما ذكرنا تتعاظم عالمياً نسبة الأصول غير المادية في الاقتصاد المعرفي، فيبين (الشكل رقم 4) الاستثمار في الأصول المادية وغير المادية كنسبة من GDP عام 2006م وكيف أن الاستثمار في الأصول غير المادية يتعاظم في الدول المتقدمة وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والنسبة حالياً عام 2019 أكبر. ويبين (الشكل رقم 5) استثمار بعض الدول في الأصول غير المادية وهي الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي و مجموعة من الدول، كما يبين أنواع هذه الأصول كوسطي للفترة 2000 – 2103م. ونجد أن نسية الأصول غير المادية الجديدة كبيرة. أما (الشكل 6) فيبين لبعض الدول والقطاعات تعاظم قيمة الأصول غير المادية بشكل كبير في الآونة الأخيرة. (فالشكل رقم 6-آ) يعطي قيمة الأصول غير المادية في بعض الشركات، و (الشكل 6-ب) تزايد قيمة الأصول غير المادية في الأعمال لثلاث دول، و (الشكل 6-ج) قيمة الأصول غير المادية حسب بعض القطاعات.
فكل ماسبق يوضح أن دور المعرفة في تزايد كبير في المجتمع المعرفي وفي الاقتصاد المعرفي، وبالتالي دور اللغة الوطنية وهي وعاء المعرفة للقوى العاملة الوطنية، وطبعاً المحتوى العلمي والمكتبات العلمية ووفهارسها في اللغة القومية من العوامل المؤئرة جداً في ذلك كله.
اللغة واقتصاديات المعرفة
تقوم اللغة بدورين اثنين من الناحية الاقتصادية، وهما أولاً كأداة في الاقتصاد وفي عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة للدول والأمم ، وثانياً كصناعة وكسلعة، وسنأتي على تعريف هذين الدورين باختصار فيما يلي، على أن نفصل ذلك في فصلين خاصين بذلك فيما بعد في هذه الدراسة.
اللغة كأداة اقتصادية:
يُعدّ استعمال اللغة بمردود جيد وكفاءة عالية أساسياً لتحقيق النمو، وضرورياً في عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك لعدة أسباب منها :
اللغة كصناعة وكسلعة:
لقد ازداد دور الصناعات الثقافية (وقاعدتها اللغة الوطنية ) في الاقتصاد العالمي مؤخراً تزايداً كبيراً جداً. إن اعتماد الاقتصاد على المعرفة و الإبداع و التقنية جعل الصناعات الثقافية تلعب دوراً متعاظماً في عملية التنمية. وأخذ هذا الدور أبعاداً تجلّت في كبر مساهمة هذه الصناعات في الناتج الإجمالي المحلي GDP للدول التي اهتمت بها ، و في مساهمتها في خلق فرص عمل وطنية، و في تنويع الاقتصاد، و في زيادة الصادرات. لقد فاقت مساهمة الصناعات الثقافية، في الناتج الإجمالي المحلي في بعض الدول، مساهمة قطاعات صناعية كبيرة مثل: الصناعات الغذائية، و قطاع البناء، وقطاع الحواسيب وملحقاتها. ومن هذه الدول في أوروبا مثلاً: هولندا و السويد و بريطانيا و بولندا وفلندا و الدنمارك و لاتافيا و لتوانيا.
الفهرس العربي الموحد
مساهمة كبرى في تفعيل رأس المال الثقافي والفكري والأصول غير المادية للاقتصاد المعرفي العربي إذ يقوم بـ:
لقد ازداد دور الصناعات الثقافية في الاقتصاد العالمي مؤخراً تزايداً كبيراً. إن اعتماد الاقتصاد على المعرفة و الإبداع و التقنية جعل الصناعات الثقافية تلعب دوراً متعاظماً في عملية التنمية. أخذ هذا الدور أبعاداً تجلّت في كبر مساهمة هذه الصناعات في الناتج الإجمالي المحلي للدول التي اهتمت بها، وفي مساهمتها في خلق فرص عمل وطنية، وفي تنويع الاقتصاد، و في زيادة الصادرات. فقد فاقت مساهمة الصناعات الثقافية، في الناتج الإجمالي المحلي في العديد من الدول، مساهمة قطاعات صناعية كبيرة مثل: الصناعات الغذائية، و قطاع البناء، وقطاع الحواسيب وملحقاتها. أما آليات الدخول في هذا القطاع فتحتاج لتعزيز كبير في المملكة. ومن هذه الآليات تعريب المعارف وتوسيع المحتوى الرقمي العلمي العربي. ولقد بدأت الكثير من الدول تتبنى استراتيجيات وطنية في مجال الصناعات الثقافية لتأخذ حصتها منها عالمياً ولتحافظ على ثقافتها وتنشرها.
لا تزال هناك حاجة في أغلب الصناعات العربية للاهتمام بالأصول غير المادية ولزيادة المحتوى أو المستوى المعرفي في هذه الصناعات وفي كل سلسلة القيمة لها. ومن الأهمية بمكان أيضاً العمل على زيادة قدرات الصناعة في تحويل نتائج البحث والتطوير إلى الصناعة أي تحويل المعرفة إلى ثروة. وكذلك زيادة العمل على قيام صناعات مبنية على المعرفة والميزات التنافسية المعرفية، وليس فقط على الميزات النسبية أو التفاضلية. والاستثمار في القطاعات الواعدة والمحفزة للنمو.
للغة العربية خصوصيات لا بد من الأخذ بها في شكليَّها المكتوب والمحلي حتى تكون صناعات اللغة وتطبيقاتها المعلوماتية ناجحة في العالم العربي. ومن هذه التطبيقات تعرف الحروف العربية آلياً وتحليل الكلام وتعرف الكلام وتركيب الكلام وفهم اللغة والترجمة الآلية ومعالجة النصوص كالفهرسة والبحث والتحليل وغيرها. والسوق المعلوماتية باللغة العربية سوق كامنة وهامة، خاصة مع انتشار الإنترنت، فهي تغطي منتجات كثيرة في قطاعات التعليم والبحث والتطوير والتوثيق والمكاتبات والإدارة والتسيير والتجارة الإلكترونية و الحكومة الإلكترونية والصحة والأمن والتسلية والصناعة وغيرها.
هناك ميزات تفاضلية للعالم العربي في بعض مجالات الصناعات الثقافية ومنها صناعة البرمجيات مثل:
إن واقع منظومة المعلوماتية العربية يدل على تطور سريع لها واهتمام بها، وبهدف تحسين هذا الواقع لا بد من العمل في مجال بحوث وتطوير اللغة العربية وكذلك اتخاذ بعض الإجراءات التشريعية والتنظيمية والمؤسسية والمالية والبشرية.
إجراءات للتحول نحو المجتمع المعرفي واقتصاده عربياً
إن استعراض الأهمية الاقتصادية للغة العلمية والتقنية، ووظائفها الاقتصادية، وآثارها في النمو، وفي نقل وتوطين واكتساب التقنية، وفي التنمية البشرية المستدامة واختزان رأس المال البشري، وفي تسهيل نشر الديموقراطية والتفكير العلمي في المجتمع وقواه العاملة، كل هذا يقودنا إلى طرح مسألة اللغة العلمية والتقنية للقوى العاملة، وتعريب التعليم العالي في جميع الاختصاصات، وفي جميع وسائل الإعلام. ويقودنا هذا الاستعراض أيضاً إلى التوصيات التالية:
إجراءات مطلوبة في التحول نحو المجتمع المعرفي