
المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم
تؤدي المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) دورًا أساسيًا في تنمية مجتمع المعرفة الذي يرتكز في المطلق على تطوير الكفاءات البشرية وتنميتها عبر إستراتيجيات وخطط ومشروعات في مجالات اختصاصها للمساهمة في تحقيق التنمية المستدامة.
إن السياسات الإستراتيجية التي تنتهجها الألكسو تمثل منهجًا صحيحًا لجعل الدول الأعضاء مسايرة لنمو الاقتصاد المعرفي ومواكبة له من خلال التركيز على الإبداع والذكاء والمعلومات. فهي تسعى إلى توفير البيئة القادرة على تطوير المعارف والتوجه نحو التكامل العربي وذلك من خلال مساعدة الدول العربية على اكتساب القدرة على إنتاج المعرفة.
وانسجامًا مع ما سبق فإن الألكسو تسعى إلى ترسيخ مشاركة عميقة في تحقيق تنمية تربوية وثقافية وعلمية للدول العربية من خلال البرامج التي تقدمها والتي تهتم أساسًا بتطوير القدرات بالإعداد والتدريب والتوعية. حيث تسعى الألكسو إلى بذل جهود منظمة، وفق تخطيط مرسوم واستراتيجيات وسياسات ممنهجة للتنسيق بين الإمكانيات البشرية والمادية المتاحة لها، إلى وضع أنشطة وبرامج ومشاريع متنوعة من شأنها أن تعزز التعاون بين البلدان العربية في مجالات التربية والثقافة والعلوم.
سنحاول من خلال هذه الورقة أن نبرز التحديات التي تواجهها الألكسو من خلال ما يفرضه الاقتصاد المعرفي بالإضافة إلى واقع تطبيق إدارة المعرفة لتطوير المجتمعات العربية ودورها في تجسيد التنمية المستدامة وتكامل المبادرات المعرفية العربية.
في ظل التغيرات والتطورات الحاصلة في جل المجالات الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية والتربوية والسياسية والتقانية، أصبحت للمعرفة مكانة هامة في تحديد التنافسية بين المجتمعات ومحددا لهيمنتها. حيث بين تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي لسنة 2003 أن “مجتمع المعرفة يقوم أساسا على نشر المعرفة وإنتاجها وتوظيفها بكفاءة في جميع مجالات النشاط المجتمعي: الاقتصاد، المجتمع المدني والسياسة والحياة الخاصة، وصولا لترقية الحالة الإنسانية باطراد أي إقامة التنمية الإنسانية”. فالتطورات الحاصلة في مجال المعرفة والتوجه نحو الاقتصاد المعرفي أدى إلى فرض بيئة جديدة تتسم بالجودة التي ترتكز على كيفية استغلال المعلومات بطرق ذكية قوامها الخبرة والمهارات والإبداع للتمكن من توليد معارف استراتيجية بهدف التميز وضمان الاستمرارية.
إن توجه البلدان العربية نحو الاقتصاد المعرفي إنما يؤكد على درجة وعيها بأهمية إيجاد مصادر بديلة ترتكز على رفع المستوى العلمي والثقافي للوصول إلى اقتصاد مبني على الخدمات والمعرفة. يتطلب هذا التوجه الاهتمام بمجالات التربية والثقافة والعلوم وتكنولوجيا المعلومات والاتصال. بالرجوع إلى الإشكالية التي طرحت حول تحديد القواعد الرئيسية التي يرتكز عليها الاقتصاد المعرفي، أطلق البنك الدولي أربعة أركان تساعد على تنمية الاقتصاد المعرفي:
في سنة 2009 ظهر تعريف جديد لأركان اقتصاد المعرفة، حيث تم استبدال الركائز الأربع التي تم اقتراحها من قبل البنك الدولي بثلاث وذلك خلال مؤتمر المفوضية الأوروبية في غوتنبرغ حول ” Knowledge triangle at the source of Europe’s future”:
يمكن القول بأن إدارة المعرفة من خلال توليدها ومعالجتها وتوظيفها للقيام بخدمات ذات قيمة مضافة يدعم توفير فرص العمل ويساهم في تحقيق وتعزيز التنمية المستدامة.
إن العديد من تقارير مؤتمرات الأمم المتحدة المرتبطة بمحور التنمية المستدامة منذ سبعينات القرن الماضي (إعلان ستوكهولم سنة 1972 في مؤتمر البيئة البشرية) وجعله محورا رئيسيا في جميع الأنشطة الإنمائية مما جعل دول العالم تهتم بالاستغلال الجيد لشتى الموارد (الأرض، الماء، الطاقة، البيئة، إلخ…). وجعل كذلك موضوع التنمية المستدامة من المواضيع الهامة على صعيد البلدان العربية. حيث شعرت هذه الأخيرة بخطورة تدهور البيئة وتلوثها وتأثيرها على الصحة وبالتالي على حياة الانسان. إذ تم التفطن إلى ضرورة إدارة الموارد الطبيعية بطريقة محكمة وتحسين الكفاءة البشرية وتحديث العلوم والبحث العلمي في مختلف المجالات لضمان الاستغلال السليم للموارد والحفاظ عليها وتحقيق التوازن البيئي والمساواة في العيش وتأمين مستقبل الأجيال (توفير الخدمات الاجتماعية والصحية، تحقيق الرخاء الاقتصادي والاحتياجات الإنمائية للأجيال المقبلة).
وتجدر الإشارة إلى أن التنمية المستدامة تتضمن أبعادا مختلفة لكنها متكاملة هادفة إلى تطوير كل من الموارد الطبيعية والبشرية والمتمثلة في:
لبلوغ التنمية المستدامة وتحقيق أغراضها، يمثل مجتمع المعرفة الآلية الفعالة حسب فالون دوس “لما تقدمه المعرفة من دور حاسم في تشكيل ثروة المجتمع وتكريس رفاهيته”. فالمعرفة هي أداة لتنمية مختلف المجالات الاقتصادية، التعليمية، الثقافية، إلخ…، وأداة لتقييم وتصنيف الدول ومصدر للتنافسية.
وقد ساهمت إدارة المعرفة في تحقيق التنمية المستدامة، حيث نتج عن توليد المعرفة واستخدامها تنمية الفكر الإبداعي والنقدي ومن ثم تمكين الأفراد من التصرف بعقلانية وتحقيق اندماج إيجابي والوصول إلى أرقى درجات الكفاءة. وعليه أضحت المعرفة تشكل الوسيلة الكفيلة للتميز ولتحقيق تنمية القوى البشرية التي تسعى إلى اعتماد المعرفة لتحسين آدائها.
وعليه وضعت البلدان العربية بصفة متفاوتة سياساتها للتوجه نحو مجتمع المعرفة وذلك برسم استراتيجيات وخطط عمل بهدف تنفيذها في شكل مشاريع. وقد تمحور هذا التوجه حول ثلاثة مجالات أساسية وهي:
أمام التوجه نحو مجتمع المعرفة، تعترض البلدان العربية تحديات مختلفة وتتمثل أساسا في سرعة ونشر التطبيقات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، تطوير البنية التحتية المعلوماتية والاتصالية، إقامة قطاع الإنتاج والخدمات في تكنولوجيا المعلومات والاتصال، التحول نحو الرقمنة لزيادة تطوير المحتوى الرقمي، تقييس استعمال اللغة العربية في تطبيقات تكنولوجيا المعلومات والاتصال، إيجاد الهيكلة الإدارية والقانونية والأمنية، توظيف استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصال في التكامل الإقليمي والعالمي.
عملت المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الألكسو) جاهدة على لم شمل الوطن العربي في مجالات التربية والثقافة والعلوم وذلك من خلال وضع خططها الاستراتيجية بالاعتماد على سياسة العمل المشترك. لمساعدة البلدان العربية على مواجهة التحديات التي تعترضها، أعدت الألكسو الخطة الاستراتيجية 2017-2022 آخذة بالاعتبار ما تقدمت به الدول الأعضاء من رؤى ومقترحات لما يجب أن تشتمل عليه هذه الخطة.
تحاول المنظمة استعمال عديد الأدوات والوسائل والتي تأتي في مقدمتها إعداد الأجيال حتى يتمكنوا من الاضطلاع بمهمة التصدي للتحديات والنهوض بأوطانهم وذلك عبر التربية الفاعلة والثقافة الناشطة المنتجة للسلوك الإيجابي والعلوم المتطورة للنهوض بشعوبهم والارتقاء بهم نحو مجتمع المعرفة. كما عمدت المنظمة إلى تشخيص الواقع العربي وتحليله بغية الوصول إلى خطة متكاملة تتضمن من البرامج والأنشطة ما يخدم احتياجات البلدان العربية.
لبلوغ التنمية المستدامة، تسعى المنظمة إلى:
وفي إطار جهود الألكسو لترجمة تلك الغايات والأهداف فقد أنجزت العديد من الاستراتيجيات والخطط والبرامج ونفذت العديد من الدورات التدريبية وورش العمل، وإضافة المؤتمرات النوعيه ويأتي على رأس تلك الجهود الآتية:
الهدف (2): القضاء على الجوع وتوفير الأمن الغذائي والتغذية المحسّنة وتعزيز الزراعة المستدامة. مثال:
الهدف (4): ضمان التعليم الجيد المنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع. مثال:
الهدف (5): تحقيق المساواة بين الجنسين وتمكين كل النساء والفتيات. مثال:
الهدف (7): ضمان حصول الجميع بتكلفة ميسورة على خدمات الطاقة الحديثة الموثوقة والمستدامة. مثال:
الهدف (8): تعزيز النمو الاقتصادي المطرد والشامل للجميع والمستدام، والعمالة الكاملة والمنتجة، وتوفير العمل اللائق للجميع. مثال:
الهدف (9): إقامة بُنى تحتية قادرة على الصمود، وتحفيز التصنيع المستدام الشامل للجميع، وتشجيع الابتكار. مثال:
الهدف (10): الحد من انعدام المساواة داخل البلدان وفيما بينها. مثال:
الهدف (11): جعل المدن والمستوطنات البشرية شاملة للجميع وآمنة وقادرة على الصمود ومستدامة. مثال:
الهدف (15): حماية النظم الإيكولوجية البرّية وترميمها وتعزيز استخدامها على نحو مستدام، وإدارة الغابات على نحو مستدام، ومكافحة التصحر، ووقف تدهور الأراضي وعكس مساره، ووقف فقدان التنوع البيولوجي. مثال:
الهدف (16): التشجيع على إقامة مجتمعات مسالمة لا يهمش فيها أحد من أجل تحقيق التنمية المستدامة، وإتاحة إمكانية وصول الجميع إلى العدالة، وبناء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة وشاملة للجميع على جميع المستويات. مثال:
الهدف (17): تعزيز وسائل التنفيذ وتنشيط الشراكة العالمية من أجل تحقيق التنمية المستدامة. مثال:
يحتل التراث قيمة متزايدة باعتباره مُعبرًا عن الهوية العربية وسماتها على مرِّ العصور وناشرًا للفكر والمعرفة، كما يمثل رافدًا معاصرًا من روافد التنمية المستدامة. والتزامًا بدستور المنظمة الذي يلقي عليها مسؤوليات ومهام حماية التراث، والتنسيق بين الجهود لمواكبة احتياجات الوطن العربي وتطلعاته، فإن حماية التراث تتطلب مواصلة الجهود العربية وتفعيلها في كل ما يتعلق بحماية التراث العربي بشقيه المادي وغير المادي، وحماية المخطوط العربي وتوفير الجهود في مجاله، واعتماد التقانات الحديثة المتطورة لصيانة التراث والتعريف به إقليميًا ودوليًا، ومواصلة المنظمة جهودها في هذا المجال لمواجهة التحديات الفكرية والثقافية والحضارية التي تحدق بمكونات التراث العربي الأصيل.
وفي هذا الصدد حرصت المنظمة بالاعتناء بتراثها من منشورات ووثائق أرشيفية وتعهدت بحمايته من خلال الشروع في إنشاء المكتبة الرقمية وإدارة الوثائق والأرشيف.
تعتبر مكتبة المنظمة مستودع المعرفة والرافد الأساسي لاتخاذ القرار وللتطوير وللبحث العلمي في مجال التربية والثقافة والعلوم. حيث تساعد على تحقيق أهداف المنظمة وتساعد على نشر المعرفة وتقاسم المهارات والمعارف وتعزيز الوصول الحر إلى المعلومات العلمية والتقنية، والانفتاح على المحيط الخارجي والمشاركة في التطوير المجتمعي والتنمية المستدامة.
ساهمت المنظمة في نشر رصيد هام من البحوث والكتب والأدلة والوثائق السمعية البصرية، حيث يحتاج هذا الرصيد على المدى الطويل الحفظ وإتاحته للباحثين والمهتمين والإفادة منه على أوسع مدى ممكن.
يستهدف المشروع بناء مكتبة رقمية لمنشورات المنظمة ووثائقها، حيث تعتبرالمكتبة الرقمية مجموعة من الموارد (نصوص، صور، وثائق سمعية بصرية) الرقمية (مرقمنة أو رقمية المنشأ) والتي يمكن الوصول إليها عن بعد (عبر الشبكات الداخلية أو الخارجية).
يعد حجم المنشورات حوالي:
وقد بلغ عدد المنشورات المرقمنة 1200 وثيقة (حوالي 145000 صفحة). وقد تم اختيار منظومة جرينستون لإنشاء المكتبة الرقمية نظرا لكونها منظومة متخصصة في المكتبة الرقمية. وهي كذلك منظومة مفتوحة المصدر مصادق عليها من اليونسكو وتدعم المواصفات الدولية في معالجة وتبادل البيانات الرقمية وتدعم اللغة العربية.
أنتجت المنظمة منذ إنشائها كما هائلا من الوثائق الإدارية والتقارير، وهذا تطلب وضع خطة استراتيجية لتطوير نظام لإدارة الوثائق والمعلومات الورقية والرقمية.
عملت المنظمة على تحقيق الأهداف التالية:
سوف تعتمد الخطة المقترحة بشكل كلي على أحدث المعدات والبرمجيات المعلوماتية من أجل بلوغ مرحلة “صفر ورقة” في أفق سنة 2022. وتشتمل الخطة على مجموعة من النشاطات نوجزها في الآتي:
وتكون مخرجات النظام عبارة عن قاعدة بيانات رقمية متكاملة تسمح بإدارة كافة الوظائف التوثيقية وتتيح البحث عن المعلومات والوثائق بواسطة محرك بحث متطور.
إن ما تم ذكره يمثل غيضًا من فيضًا؛ إذ إن الألكسو وإلى جانب العديد من الإستراتيجيات والخطط الطويلة والمتوسطة وآلاف المراجع والكتب المرجعية والتي أصدرتها منذ إنشائها في عام 1970 وإلى اليوم، تعمل جاهدة على تطوير النظم التربوية العربية وبناء الخطط الثقافية والارتقاء بسياسات البحث العلمي، وترسيخ استخدام التقانات الحديثة لتطوير التعليم في الدول العربية. وغايتها الأولى ورسالتها الأسمى هي الانسان العربي في مستوى تطور وعيه وتحفيز قدراته وتمكينه من امتلاك مهارات القرن الحادي والعشرين والارتقاء بكفاياته، وجعله منخرطا في الكونية مع الحفاظ على خصوصية هويته العربية.