التسجيلة
العدد الثاني 01/22/2023
مجلة رقمية دورية تصدر عن الفهرس العربي الموحد
أستاذ دراسات المعلومات المشارك - جامعة السلطان قابوس
أستاذ دراسات المعلومات المشارك - جامعة السلطان قابوس
تاريخ النشر : 13 مارس، 2022
التنمية المستدامة ورأس المال الاجتماعي استثمار في الإنسان

يعد رأس المال الاجتماعي الثروة الحقيقة التي تمتكلها الأمم والمؤسسات، بها تنمو وتنشأ وتتطور، وتتشكل وتترسخ بمجموعة من القيم والعلاقات الاجتماعية والضوابط التي تدفع نحو التميز والبقاء، تحافظ على ميزاتها التنافسية القائمة على استثمار الرصيد الاجتماعي الذي تملكه. ويتبلور رأس المال الاجتماعي في المؤسسات عن طريق العلاقات المشتركة بين زملاء العمل في المؤسسة الذين يدفعون نحو تحقيق أهداف المؤسسة، وترسيخ قيمها، وضمان استمراريتها وقدرتها على المنافسة.  عليه، فالمؤسسات معنية في حالة رغبتها في التقدم الدائم بالاستثمار في منظومة رأس المال الاجتماعي.

ودراسة العلاقة القائمة بين التنمية المستدامة ورأس المال الاجتماعي، تفرض علينا توضيح مفهوم التنمية المستدامة وتطور هذا المصطلح ليتوافق مع احتياجات الأفراد. فالتنمية المستدامة كما عرفها هماش (2020) هي الإدارة الحكيمة للأفراد والموارد بما يحترم الطبيعة، ويضمن ديمومتها، ويسمح للأجيال القادمة بالاستفادة من الموارد والثروات. وركز المفكر العربي مالك بن نبي على المبدأ الأخلاقي في تحقيق التنمية المستدامة، كونه –حسب رأيه- يهذب النفس البشرية، ويصرف عنها الأنانية، والنفعية المفرطة التي يمكن أن تتصادم مع الطبيعة ومع وجود الإنسان في هذه الأرض.  وكما يتضح من خلال هذا المفهوم فإن العلاقة القائمة بين التنمية المستدامه ورأس المال الاجتماعي هي الاستثمار في الإنسان بقيمه وفكره وتطلعاته بما يخدم النهضة والتقدم الحضاري، وفي وقتنا الحاضر يتطلب بقاء المؤسسات وديمومة عملها أن يكون لديها أيضا رصيد معرفي يضمن لها نقل التجربة من جيل لآخر.

والمؤسسات الثقافية، كونها أيضا مؤسسات اجتماعية من خلال صلتها المباشرة بخدمة المجتمع، وتنظيم شبكات اجتماعية ثقافية تغذي فيها الفكر وتنمي المعرفة والعقل، وتتطلع باستمرار إلى تحقيق رغبات الأفراد من المعرفة في شتى العلوم؛ فهي مطالبة بالحفاظ على مكانتها، بل لابد من التطوير المستمر بما يضمن الاستمرارية، والبقاء، واستمرار الدعم المجتمعي لها. وتضمن المؤسسات الثقافية استمرايتها من خلال متابعة المفاهيم والأفكار النهضوية التي يتعاطى معها المجتمع ويحدثها وفقاً لانتقاله من مرحلة لأخرى. فعلى المؤسسات تحقيق الحد الأعلى من تطلعات المجتمع للإجابة على استفساراته، وتغذية متطلباته المعرفية الدائمة، والتعاطي مع المجتمع من خلال النشاط الثقافي والفني الدائم.

إن تنمية وتأهيل الأفراد في المؤسسات الثقافية ضرورة ملحة كونهم المحرك لمشاعل التنوير في المجتمع، ويتوقع المجتمع من الأفراد القائمين على هذه المؤسسات القدرة على تلبية احتياجاتهم الثقافية والمعرفية، فهم في نظره محل ثقة يلجأ إليهم بعد تشتته من قنوات معرفية وإعلامية أخرى تتضارب فيها المعلومات، وتطغى فيها الشائعات، والمعلومات المظللة، ويجب أن يكونوا على مستوى المكانة التي وضعهم المجتمع فيها، ويتميزوا بصفات التعلم الدائم، وتنمية المهارات وبخاصة مهارات التواصل، والمهارات التقنية، والقدرة على بناء الشبكات الاجتماعية بما يحقق رسالة المؤسسة وقيمها.

ومع طغيان الماديات، والحياة السريعة، وثقافة التواصل الافتراضي، يجد العاملون في المؤسسات الثقافية أنفسهم أمام مجموعة من التحديات تسحب البساط منهم شيئاً فشيئا. فالمكتبات كأحد المؤسسات الثقافية -على سبيل المثال- لم تعد المصدر الوحيد للمعرفة، كما أن جزءً من خدماتها هو الآخر تحول تدريجياً إلى خدمات افتراضية. الأمر الذي يتطلب مهارات ومعارف حديثة توضح أهمية المكتبة من جهة، والقيمة المضافة التي تكتسبها المعلومة المقدمة من خلالها من جهة أخرى، بالإضافة إلى زرع الثقة في المستفيد من خلال الموثوقية العالية التي تتميز بها مصادرها. وكفاءة الكوادر البشرية في المكتبة وقدرتها على تحقيق هذه الغاية هي الضامن الحقيقي لبقاء المؤسسات الثقافية والحفاظ عليها في الوقت الراهن.

يبقى أن نؤكد على أهمية التعاون العربي في القطاع الثقافي. وأن ينطلق هذا التعاون من الموروث العربي الكبير الذي يميز هذه الحضارة، والعمل على رفعة اللغة العربية وتعزيز حضورها الدولي كونها الوعاء الذي تقدم من خلاله المفردات الثقافية، كذلك ضرورة العمل العربي المشترك في إقامة الملتقيات العلمية والفنية التي يمكن أن نقدمها للعالم عبر الوسائط الحديثة كشبكة الإنترنت. فتطلعات المواطن العربي وأمنياته دائما نحو الإندماج العربي ثقافياً وكسر الحواجز والحدود، والتقارب الشعبي بما يحقق التنمية الشمولية في كافة القطاعات.

المراجع

  1. هماش، ساعد (2020)، بناء الإنسان المستدام في فكر مالك بن نبي: من الاقتصادانية المادية إلى الاستدامة الإنسانية، مجلة العلوم الاجتماعية والإنسانية، جامعة باتنة، المجلد21، العدد(02)، ص689-706.

تم انتهاء الفترة المسموحة بالتعليق