التسجيلة
العدد الثاني 01/22/2023
مجلة رقمية دورية تصدر عن الفهرس العربي الموحد

التأثر بالرقمنة يلقي بظلاله على المهارات المطلوبة في سوق العمل في أنحاء العالم

تاريخ النشر : 9 مايو، 2022
المنصات الرقمية تنقل العملية التدريبية إلى الواقع الافتراضي

التقدمُ في مجالِ تكنولوجيا المعلومات غيَّر جميعَ جوانبِ الحياة وحرّك العالمَ نحوَ التحولِ الرقمي في المجالاتِ كافة، بما فيها مجال التدريب. وقد ساهم ذلك في وفرة البيانات، وسهولة الوصول إلى المعلومات، وتلاشي المسافة بين المعرفة المتوفرة وطالبها. وهذا التقدمُ سمحَ بظهورِ مصطلحِ التقنيةِ التعليمية EdTech التي غيرتْ طريقةَ تفاعلِ الأشخاص مع التعلم وأصبحتِ التقنيةُ تتيحُ تقديمَ طرقٍ جديدةٍ لتخصيص تجربة التعلم ودعم التطوير المستمر للمهارات.

يواجه قطاعُ التدريبِ العديدَ من التحدياتِ الجوهرية، إذ تشير أهدافُ التنميةِ المستدامة المقررة من قِبَل الأمم المتحدة إلى وجوب إتاحة فرص التعليم والتدريب للجميع  بشكل ميسّر ومقدّم بجودة عالية، هذا إلى جانب الأهداف الطموحة لتخفيض نسب البطالة عالميًّا من خلال التطوير الاقتصادي المستدام. ويشهد العالم تطورات سريعة في قطاع الأعمال ما جعل مؤسسات التدريب أمام تحدٍّ كبير يتطلب التوسع في التدريب وآليات تقديمه ورفع جودة المخرجات وتطوير الأساليب التي يكتسب المتدربُ بها المعارفَ والمهاراتِ لتأهيله إلى سوق العمل مواكبًا لتلك التغيرات السريعة ومحققًا للأهداف الطموحة.

وقد بينت إحصاءاتُ الاتحادِ الأوروبيّ أن 30% من العاملين في الاتحاد يمتلكون مؤهلات لا تنسجم مع وظائفهم بينما 45% من العاملين يؤمنون أن مهاراتهم ليست كافية، الأمر الذي يحتاج إلى تطوير وتحسين مستمر وذلك لتأدية الأعمال على أحسن وجه. وقد أشارت الدراساتُ أيضًا إلى أن 65% من الأطفال في التعليم العام اليوم سوف يعملون مستقبلًا في مهن غير موجودة الآن في قطاع الأعمال مما يعني أن قطاع التدريب لديه فرصة عظيمة للإسهام في تطويرِ المهارات وإعادة صقلها وهو ما يملأ الفجوةَ الحاليةَ والمحتملةَ في المهارات من خلال التأهيل والتدريب على مهارات المستقبل.

ولأن المجتمعات حاليًّا تعيش مرحلة التأثر بالرقمنة، ينعكس هذا التأثير على المهارات المطلوبة في سوق العمل ويعطي فرصة أكبر لتطويرها وإعادة صقلها قبل الدخول إلى سوق العمل أو للأفراد من هُم على رأس العمل مع وجود أوجه للقصور والخلل في مهاراتهم ومعارفهم الأساسية. ولعل من المحتمل في السنوات القادمة أن تظهر الحاجة إلى مزيدٍ من المهارات المتوسطة والعالية استجابةً لقطاع الأعمال المتنوع والمتجدد، فالابتكار والتطور الرقمي يؤثر على طريقة القيام بالأعمال لا سيما مع ظهور أنماط حديثة من الوظائف التي تزامنت مع زيادة في الابتكار والتطور الرقمي، والمثال على ذلك هو اقتصاد العمل المؤقت Gig Economy، وظهور وظائف جديدة وتحديات مهنية مختلفة.

ويواجه التدريبُ التقليدي العديدَ من المشاكل التي يمكن أن تُعيقَ وتحدَّ من فاعليته وكفاءته، والجوانب المادية المتعلقة بتوفير الخدمات والتجهيزات والجوانب التشغيلية داخل مقرات التدريب تُعَدّ من أكبر العوائق في التدريب التقليدي سواء للحكومات أو  للمستثمرين، فتكاليفُه الماديةُ التي تقف عقبةً إزاءَ الاستثمار في القطاع تعد باهظة. وكما تمثل محدودية الموقع الجغرافي وصعوبة التوسع لإنشاء مقرات جديدة وبتجهيزات أخرى معضلةً أخرى في الوصول إلى شريحة واسعة من المستفيدين، وهذا ما ينعكس سلباً على الاستثمار في استحداث الكليات والمعاهد التدريبية ويؤدي إلى ارتفاعِ التكلفةِ ورسومِ التدريب سواء على الأفراد أو الجهات والمؤسسات الراغبة في تدريب العاملين لديها. كما يفتقرُ التدريبُ التقليدي إلى إمكانية تخصيص تجربة التعلم لكل متدرب على حدة بما يتناسب مع احتياجاته التدريبية، هذا إلى محدوديةِ المصادرِ التعليمية والتدريبية التي يمكن الاستعانة بها. ويواجه التدريبُ التقليديّ أيضًا تحدياً في التكيف مع المتغيرات السريعة في سوق العمل فهو يفتقر إلى المرونة للاستجابة المستمرة لها.

وحينما اجتاح وباءكورونا العالمَ بأسره أثّرت هذه الجائحةُ على معظمِ الأنشطةِ والقطاعاتِ الاقتصادية في جميعِ الدول. وقطاعُ التعليمِ والتدريبِ يعد من أكثر القطاعات تأثّرًا ولكنْ وجودُ البنيةِ التحتية للمنصات الرقمية ساهم في انتقال العملية التدريبية إلى الواقع الافتراضي وقلل من الفاقد التدريبي. لذا نستطيع القول: إن التقدمَ التقنيّ كان دوره جوهرياً في تجنب التأخر في العمليةِ التدريبية الذي كان من الممكن أن يسبب نقصًا في الكوادر البشرية المدرَّبة تدريبًا جيدًا ويثقل كاهل القطاعات الاقتصادية في الكثير من دول العالم.

ومن حسنات هذه المنصات الرقمية في التدريب: إتاحةُ الوصولِ السريعِ إلى المتدربين الأمر الذي جعل التدريب متاحًا للجميع في أي زمان ومكان وهو ما كان صعب التحقق في التدريب التقليدي. ويعد التنوعُ في البرامجِ التدريبية المتوفرة التي يمكن أن يستفيدَ منها المتدربون بشكل تزامني من منافع المنصات الرقمية في التدريب والتي تسهم في تعظيم تجربتهم التدريبيةِ من خلال سرعة تطويرِ قدراتهم ورفعِ مهاراتهم وإكسابهم المهاراتِ الوظيفية التي تزيدُ فرصَ حصولِهم على الوظائف المناسبةِ في سوقِ العمل والاستقرارِ فيها أو التطور والتقدم المهني. ولعل إمكانيةَ تقديمِ أنماطٍ مختلفةٍ من التدريبِ والمرونةِ العالية في بناءِ المساراتِ التعليميةِ والتدريبيةِ بشكل يتوافق مع احتياجاتِ المتدربينَ المختلفةِ من محاسن التدريب عبر المنصات الرقمية.

كما تتيح المنصاتُ الرقميةُ إمكانيةَ تطويرِ البرامجِ التدريبيةِ أو تحسينَها أو إعادةَ تشكيلِ المساراتِ التدريبية لتناسبَ الاحتياجاتِ المتغيرةِ في سوقِ العمل، إذ تشير الدراساتُ إلى أن عمرَ الاستفادةِ من البرامجِ التدريبيةِ التقليديةِ قصيرٌ مقارنةً ببقيةِ القطاعات مما يجعلُ قطاعَ التدريبِ أمام مسؤوليةٍ كبرى في تحديثِ الموادِ التدريبية بشكل دوري وسريع مواكبًا سرعةَ قطاعِ العمل لتلبية احتياجاته. وتتيح المنصاتُ الرقمية كذلك إمكانيةَ عرضِ عددٍ ضخمٍ من البرامجِ التدريبية ومسارات تعلم متنوعة بالإضافة إلى شهاداتٍ احترافيةٍ بجودة عالية تلبي الرغباتِ المختلفةِ لدى المتدربين وتحقق تطلعاتهم. ومن الامتيازات التي وُجِدت في التدريب عبر المنصاتِ الرقمية ما تقدمه التقنية من خدماتٍ وأدواتٍ لقياس وتتبع النتائج والتقارير حول أداء المتدربين مما يمنح المدربَ وإدارةَ البرنامجِ التدريبي القدرةَ على توجيه المتدربين بشكل تزامني ومعالجةَ أي تحدياتٍ تواجههم في رحلة التدريب.

لذا يمكن الجزم أن التقدم في التدريب على المنصات الرقمية أتاح فرصًا كبيرة لتعظيم المنفعة من التدريب سواء في إيصالِ المعلومة، التواصلِ مع المتدربين ،مشاركةِ البيانات أو متابعةِ تقارير الإنجاز والتطور في العملية التدريبية والتي تساهم كلها في سرعةِ إعادة تشكيل البرنامج التدريبي ليتناسب مع احتياجاتِ المتدربينَ المختلفة ومتطلباتِ سوق العمل.

وعلى الرغم من وجود محاسن ومنافع عديدة للتدريب على المنصات الرقمية؛ إلا أن هناك تحديات واضحة تواجه هذا التحولَ في العملية التدريبية، ومن أبرزها: التحدياتُ الماديةُ وانخفاضُ الدخلِ لدى المستخدمين  من ذوي الدخل المحدود وعدم مقدرتهم على اقتناءِ أجهزة خاصة يستطيعون الدخولَ من خلالها  إلى المنصات الرقمية ليحصلوا على التدريب وإن توفرت الأجهزةُ فبعض البلدان النامية ومناطق غيرها من مختلفِ أنحاء العالمِ لديها تحدٍّ آخر ألا وهو محدوديةُ وضعفُ شبكةِ الإنترنت والبنية الأساسية للبلد، مما قد يترتب عليه تعثر في العملية التدريبية. وليس هذا  فحسب، فهناك التحدي المرتبط بانخفاضِ مستوى المهاراتِ التقنية عند المدرب والمتدرب ما يُعِيق تعظيمَ المنفعةِ من البرنامج التدريبي. وتمثل صعوبةُ الاستفادةِ من الجوانبِ التطبيقية في بعض التخصصات والمجالات التي تستدعي الانخراطَ والتجربةَ الواقعية للعمل على أجهزة محددة مثل: مجال الميكانيكا أو الخياطة وغيرها من المجالات تحديًا كبيرًا إزاءَ التدريبِ عبر المنصات الرقمية.

على أنه لا يمنع وجودُ بعضِ التحديات من استعراض أمثلة على التجاربِ الناجحة في مجال التدريب على المنصات الرقمية كتجربة “الأكاديمية الدولية للمهارات – The Global Skills Academy ” وهي مبادرة يرعاها تحالفٌ من منظماتٍ دولية رأت الحاجةَ الملحةَ إلى إنشاء أكاديمية دولية لتطوير مهاراتِ القابلية للتوظيف والمهارات الرقمية (Employability and Digital Skills) في المجتمعات المتأثرة بجائحة كورونا وتبعاتها كارتفاع نسب البطالة وانعدامِ المهاراتِ عند شرائح عديدةٍ من المجتمع، فاستعملت الأكاديمية نموذجَ تفعيلِ الشراكات الدولية بامتياز لتحقيق الهدف من تطويرِ المهاراتِ لدى الشباب والعاملين في القطاعات الأكثر تأثرًا بجائحة كورونا، واستهدفت المبادرةُ مليونَ متدرب حول العالم وذلك لمساعدتهم على العودة إلى العمل أو الانتقال إلى قطاعاتٍ أخرى تتطلبُ مهاراتهم والمسارعة في سدِّ الفجوة بين المهاراتِ واحتياجاتِ سوقِ العمل. أُنشِئتْ الأكاديمية تحت مظلة (The Global Education Coalition) بالشراكة مع أكثر من 250 مركز تدريب في أكثر من 160 دولة حول العالم لتكون هي المنصة الرئيسة لتقديم البرامج التدريبية بواسطة التدريب الإلكتروني للوصول إلى أكبرِ شريحة ممكنةٍ من المتدربين.

ومن التجارب الناجحةِ في مجال التدريبِ عبر المنصات الرقمية: منصة “كورسيرا” والتي تيسر فرصةَ الالتحاق بأكثر من 3000 برنامج تدريبي في مجالات ومستويات مختلفة، ويتجاوز أعدادُ الملتحقين بها حاليًّا أكثر من 82 مليون متعلم حول العالم وهو عدد ضخم من المتدربين يصعب الوصول إليه أو لا يمكن تحقيقه بالطريقة التقليدية في التدريب. وكذلك من التجارب المتميزة: منصة التدريب العالمية إدكس (Edx) والتي تقدم أيضًا عددًا هائلًا من البرامج التدريبية لأكثر من 110 مليون متدرب حول العالم بلغات مختلفة وآلية تقنية ذكية لتتبع مستوى إنجاز المتدرب.

وعلى المستوى المحلي تشيرُ التقارير إلى أن “منصة دروب” التي تتبع صندوقَ تنميةِ المواردِ البشرية – وتعنى بالتدريب وتمكين القوى العاملة – درَّبتْ أكثر من 1.8 مليون مستفيد، وسجلت 10 ملايين ساعة تدريبية، وأكثر من 16 مليون برنامج تدريبي مكتمل وموجّه لفئاتٍ تدريبيةٍ مستهدفة تأهيلهم لسوق العمل، والتي تثبت وتشير إلى قدرة تلك المنصات الرقمية على تطبيق منهجيات وأساليب متعددة لخدمة العملية التدريبية وتلبية احتياجات المتدربين المختلفة.

 

 

تم انتهاء الفترة المسموحة بالتعليق