التسجيلة
العدد الثاني 01/22/2023
مجلة رقمية دورية تصدر عن الفهرس العربي الموحد
تاريخ النشر : 10 أغسطس، 2022
علم النفس الرقمي

قدم الفهرس العربي الموحد ندوة بعنوان “علم النفس الرقمي” ضمن فعاليات البرنامج المعرفي التي تقام في إطار الأنشطة الثقافية لمكتبة الملك عبد العزيز العامة، وعقدت الندوة مساء يوم الثلاثاء 26 يوليو 2022 عبر منصة زوم بمشاركة الدكتورة منال زكريا حسين عبد المجيد التي تحمل دكتوراه في الفلسفة من قسم علم النفس في تخصص علم النفس الارتقائي المهني من جامعة القاهرة، وتعمل أستاذ مشارك بقسم التربية وعلم النفس في كلية العلوم والآداب بالقريات في جامعة الجوف، وأستاذ مشارك بقسم علم النفس في كلية الآداب بجامعة القاهرة. واستطاعت أن تنقل الحضور إلى رحلة علمية حول نشأة “علم النفس الرقمي” باعتباره فرعا فريدًا من فروع تخصصات علم النفس في محاولة لاستكشاف التأثير العميق وواسع النطاق للتكنولوجيا على البشر، وأهمية الفضاء الإلكتروني كبيئة جديدة خلقها البشر لأنفسهم، من أجل اعتبارات عديدة تتنوع بتنوع الأفراد ومجالات اهتمامهم وخصالهم واختياراتهم وتفضيلاتهم الشخصية. واثناء هذه الرحلة التي أدارها الدكتور صالح المسند مدير مركز الفهرس العربي الموحد كشفت العديد من المناقشات والاتجاهات الحالية المتعلقة بتأثير التكنولوجيا على السلوك البشري، وماهية العادات التي ساعدت على انتشار الإنترنت واستعمالاته.

وقد أعدت الدكتورة منال تقريرًا مفصلًا عن موضوع هذه الندوة تأكيدًا لحرصها على نشر المعرفة وإيصالها للمستفيدين، مشيرة إلى  أن أي شخص  مهتم بتجربة البيئات عبر الإنترنت أو مشارك فيها، سيروق له الطواف معها في هذه الجولة ليستكشف كيف يتم تشيد التخصصات العلمية؟ وكيف يتم رفع أعمدتها وترسيخها وتثبتها؟ وكيف يتم قبولها والعمل بها؟ وكيف تجني الثمار التي نشأت من أجلها؟ .

علم النفس الرقمي (النشأة وتاريخ التطور)

اعتبر البعض علم النفس الرقمي تخصصًا فرعيًا في علم النفس التطبيقي؛ واعتبره البعض الأخر تخصصًا فريدًا وقائما بذاته، وقد اعتمد المتخصصون في هذا العلم على مجموعة واسعة من المناحي النظرية في علم النفس، بما في ذلك النظرية علم النفس الدينامي psychodynamic theory، والنظرية التشريط الفعال operant theory، ونظرية ديناميات الجماعة group dynamics theory، ونظريات الدوافع البشرية theories of human motivation، وغيرها من النظريات العلمية التي تؤسس لمعرفة واسعة بعلم نفس السلوك البشري وعلاقته بالتكنولوجيا. فكيف نشأ هذا العلم الجديد.

في أوائل السبعينيات، كان البشر الوحيدون الذين تفاعلوا مع أجهزة الكمبيوتر هم متخصصو تكنولوجيا المعلومات أو الهواة الراغبون في المعرفة الحاسوبية. وقد تغير هذا بشكل جذري مع ظهور الحوسبة الشخصية في أواخر السبعينيات. لقد جعلت الحوسبة الشخصية، بما في ذلك كل من البرامج الشخصية (مثل برامج تحرير النصوص وجداول البيانات، وألعاب الكمبيوتر التفاعلية) ومنصات الكمبيوتر الشخصية (أنظمة التشغيل ولغات البرمجة والأجهزة)، كل شخص في العالم مستخدمًا محتملاً للكمبيوتر. ومن ثم أصبح التحدي المتمثل في الحوسبة الشخصية واضحًا في وقت قصير. وتم تشكيل المشروع الواسع للعلوم المعرفية، والذي تضمن علم النفس المعرفي والذكاء الاصطناعي واللغويات والأنثروبولوجيا المعرفية وفلسفة العقل، وغيرها. ومع نهاية السبعينيات. كان جزء من برنامج العلوم المعرفية هو صياغة تطبيقات منهجية ومستنيرة علميًا أطلق عليها “الهندسة المعرفية”. وهكذا، وفي اللحظة التي قدمت فيها الحوسبة الشخصية الحاجة العملية لـ HCI (Human Computer Interaction)، قدمت العلوم المعرفية احتياجات الأشخاص والمفاهيم والمهارات ورؤية لمعالجة هذه الاحتياجات من خلال توليفة طموحة جمعت بين العلوم المعرفية والهندسة وعلوم الكمبيوتر.

أشارت كل خيوط التطوير في علوم الكمبيوتر والهندسة المعرفية إلى نتيجة واحدة مفادها: “أن الطريق إلى الأمام للحوسبة الشخصية يستلزم فهم المستخدمين وتمكينهم بشكل أفضل”. وقد تلاقت قوى الحاجة والفرص المتنوعة المتاحة خلال العام 1980م، وركزت باندفاع هائل من الطاقة البشرية، وخلقت مشروعًا متعدد التخصصات مرئيًا للغاية؛ كان شعاره “سهل التعلم … سهل الاستخدام”. لقد أعطت بساطة هذه العبارة قوة دفع كبيرة وهوية حادة وبارزة في الحوسبة الشخصية وعملت على الحفاظ على تماسك المجال. وأصبحت الأجهزة الشخصية بوابات للتفاعل في العالم الاجتماعي والشخصي والمادي.

وقد كانت هذه الخلفية هي بداية ظهور علم النفس الرقمي: بدأ الاهتمام بعلم النفس الرقمي والذي أطلق عليه “علم النفس السيبراني” من خلال المقالة التي كتبها ج. س. ر. لیكلایدر(هو من علماء النفس الأمريكيين وخبراء الكومبيوتر  أيضا)، بعنوان “التفاعل: الإنسان – الكومبيوتر”، وهي مقالة وتكهنت بالعلاقة التفاعلية بين الإنسان والآلة؛ في واقع الأمر، يمكن القول إنه أول عالم سيكولوجيا سيبرانية. وكتبت باتریشیا والاس، التي كتبت كتاب “سيكولوجيا الإنترنت” (وهو كتاب أكاديمي حقق رواجًا شعبيا في سنة 1999م). ثم قدم جون سولر (وهو عالم علم نفس إكلينكي، ومن الرواد في هذا المجال، وينظر إليه باعتباره أب السيكولوجيا السيبرانية، إذ كان يعمل في هذا المجال منذ أواخر التسعينيات وألف كتاب “سيكولوجيا الفضاء السيبراني”، الذي نشر إلكترونيا سنة 2004م.  ثم توالت بعد ذلك الكتب العلمية في هذا الفرع من العلم.

حصل علم النفس السيبراني على مكانه ضمن مجموعة التخصصات المجاورة، بما في ذلك علوم الكمبيوتر والتعليم والدراسات الإعلامية والطب والفلسفة ودراسات الاتصال وعلم الاجتماع والدراسات الثقافية وما إلى ذلك. تقول إحدى النتائج أن الوقت قد حان لبدء تعليم علم النفس السيبراني.

  لا يوجد حتى الآن الكثير من الكليات والجامعات التي تقدم دروسًا في مثل هذا التخصص. ومع ذلك، يجدر بنا أن نضيف أنه في العشر أعوام الماضية، حدثت قفزة نوعية؛ حيث يمكننا في الوقت الحاضر تسمية المزيد من المؤسسات التعليمية المهتمة بهذا الفرع من التخصص أكثر مما كان عليه من قبل. وفي الغالب، تمنح بعض الجامعات الرائدة درجة الماجستير، وتقبل الطلاب من خلفيات البكالوريوس المتنوعة – غالبًا من وسائل الإعلام أو علوم الكمبيوتر والتربية والخدمة الاجتماعية وإدارة الأعمال وما إلى ذلك. وهذا يعني أن المتقدمين للحصول على درجة الماجستير في علم النفس السيبراني قد يكونون حاصلين على درجات بكالوريوس متنوعة، ليس بالضرورة في علم النفس.

أعقب هذا الاهتمام بتدريس هذا الفرع من علم النفس لطلاب المرحلة الجامعية، ومنح تخصص علم النفس الرقمي الطالب فرصة شغل وظيفة باحث في العلوم الاجتماعية التطبيقية، بعد إخضاعه لبرنامج تعليمي عالٍ يتعلم من خلاله المهارات البحثية والتحليلية الأساسية في مجال دراسة السلوك البشري في القرن 21.

 أدي الاهتمام بتدريس هذا التخصص إلى إتاحة العديد من المجلات العلمية المتخصصة؛ المعنونة بهذا التخصص الجديد؛ وقد أُطلقت أول مجلة تهتم بهذا الموضوع في الولايات المتحدة عام 1998م، تحت اسم (مجلة علم النفس السيبراني والسلوك)، وتغير اسمها فيما بعد ليصبح (مجلة علم النفس السيبراني والسلوك والشبكات الاجتماعية) وذلك عام 2010م. وبعدها أطلقت التشيك مجلة تختص بعلم النفس السيبراني اسمها (مجلة البحوث النفسية الاجتماعية حول الفضاء الإلكتروني) عام 2007م، وبعدها أصبح هذا العلم مألوفًا لمن يختصون بهذا المجال، ويقرأون عنه باستمرار. وتم إنشاء الروابط والجمعيات العلمية الخاصة بهذا التخصص الجديد.

فما هو علم النفس الرقمي؟ وما العوامل التي أدت إلى ظهوره؟

ظهر علم النفس الرقمي في خضم التحول الرقمي الذي يشهده العالم، وتتضح تجلياته في نشأة المجتمعات الرقمية، والمجتمعات الذكية، ومجتمعات المعرفة … هذه المجتمعات الجديدة التي جعلت الإنسان يسابق الزمن ويلهث جرياً وراء مستحدثات الاتصال لكي يحقق لنفسه تكيفاً مع الحياة المعاصرة. ذلك المجتمع الذي يكاد يبدل الحياة بالجملة (باستخدام تعبير ابن خلدون)، ويجعل الإنسان يحيا في عوالم من صنع يده (أو هكذا يعتقد). مع هذا التحول الرقمي بدأ يترسخ ويثبت علم النفس الرقمي.

ظهر علم النفس الرقمي كنتيجة مباشرة للتطور التكنولوجي الهائل في العقود الماضية، حيث شكّل استخدام الانترنت جزء أساسي من الحياة اليومية للإنسان، لا يقتصر على تبادل المعلومات والبيانات والمراسلات الرسمية، بل يتضمن أيضاً الترفيه والتواصل الاجتماعي والبيع والاستهلاك…إلخ، ومع توسع شبكة الانترنت ظهر تأثير استخدامها على الصحة النفسية والعقلية للمستخدم من جهة، كما برزت ضرورة دراسة سلوك مستخدمي الانترنت في سياق دراسة السلوك الإنساني الذي يتفاعل مع تجربة جديدة ومتسارعة في التطور والنماء من جهة أخرى.

تعريف علم النفس الرقمي

ويعرف علم النفس الرقمي بأنه: “علم النفس الرقمي هو مجال متخصص في علم النفس يحاول فهم الأشياء المجهولة. ويجمع العلم الجديد نسبيًا بين أساسيات علم النفس ومبادئ من علم النفس العام وعلم النفس الاجتماعي وعلم النفس الإعلامي ومجالات علم النفس الأخرى”.

“هو العلم الذي يهتم بدراسة طريقة تفاعل الإنسان مع الأجهزة الرقمية، والتأثيرات العاطفية الناتجة عن استخدامها على دماغه”.

“علم النفس الرقمي هو مجال للدراسة يدرس تأثير التكنولوجيا الرقمية والوسائط على الجوانب النفسية للحياة البشرية، مثل السلوكيات البشرية، والأفعال، والمواقف، والدوافع، والتعلم، وغيرها”.

يعني علم النفس الرقمي “دراسة تأثير التطور التكنولوجي على السلوك البشري”. ولا يعني ذلك فقط مسألة ما إذا كان المرء على الهواء أم لا؛ فهي تشير إلى أي شيء رقمي، أو أي شيء له علاقة بالتكنولوجيا.

علم النفس الرقمي هو العلم الذي يستكشف العلاقة ثنائية الاتجاه بين علم النفس البشري والتكنولوجيا الرقمية والوسائط التي لها تأثيرات هائلة على بعضها البعض.

علم النفس الرقمي هو العلم الذي يركز على الفرد، ويلقي الضوء على ردود أفعالنا الواعية وغير الواعية للتجارب عبر الإنترنت وحاجتنا البشرية الذاتية لتحقيق الذات.

علم النفس الرقمي هو علم قائم بحد ذاته ويتم العمل على تطوير أدواته ليستطيع تجاوز الكثير من الأمراض الناجمة عن الغوص في عالم الإنترنت الواسع، وأهم تلك الأمراض هو الاكتئاب واضطرابات القلق والسلوك الإدماني.

هو العلم الذي يهتم بدراسة العقل في سياق التفاعل بين الإنسان والحاسوب، إذ أصبحت الكيفية التي تؤثر بها التكنولوجيا على سلوك وأفكار البشر محل اهتمام الباحثين، نظرًا لأن الأفراد أصبحوا ينجزون معظم مهامهم اليومية عبر الإنترنت. فمع زيادة التداخل بين الإنسان والآلة، أصبح من الضروري تطوير تخصص علم النفس الرقمي/ السيبراني، الذي يهدف إلى تمكين البشر من تطويع الشبكة العنكبوتية، وجعلها مكان أفضل، وأكثر أمانًا.

أهداف علم النفس الرقمي

إن موضوع علم النفس الرقمي ومقصده وغايته هو دراسة سلوك الإنسان من كافة جوانبه؛ فعلماء النفس الرقمي يهتمون بدراسة كيف يفكر الإنسان؟ وكيف يتعلم؟ وكيف يبدع؟ وكيف يدرك نفسه والعالم من حوله؟ وكيف يعبر عن انفعالاته؟ وكيف يتم تشجيعه واستثارة همته ودافعيته وحماسه؟ وكيف يمكنه بناء علاقات اجتماعية افتراضية ناجحة؟ كيف يتفاعل مع الآخرين باستخدام التكنولوجيا؟ وكيف نطور التكنولوجيا لتناسب متطلباتنا ورغباتنا على أفضل وجه؟ والكيفية التي تتأثر بها سلوكياتنا وحالاتنا النفسية بالتكنولوجيا … إلخ. بمعني أن موضوع علم النفس الرقمي وغايته هو السلوك الإنساني. فيدرس علماء النفس الرقميين السلوك، بغرض مساعدتنا على فهم الناس وتحسين نوعية حياتهم، والوصول إلى قوانين (نظريات) تصف على نحو دقيق الواقع، وطبيعة العلاقات بين الأشياء والشروط المحددة لها بالطريقة التي تجعلنا قادرين على التنبؤ المضبوط.

يعمل المتخصصون في مجال علم النفس الرقمي للإجابة على أسئلة مثل: هل يؤثر وقت الشاشة المفرط على الصحة العقلية؟ هل تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي على العلاقات؟ لماذا يختار المتسوق عبر الإنترنت منتجًا على آخر؟ كيف تؤثر التكنولوجيا الرقمية على مدى الانتباه؟ ويكاد يكون هذا هو مقصد كل العلوم أو القصد المشترك بين العلوم. ومن ثم يهدف فعلم النفس الرقمي شأنه شأن أي علم له أربعة أهداف رئيسية: الوصف، والتفسير، والتنبؤ، والتحكم. حيث يهدف إلى وصف الظاهر الموجودة في العالم الرقمي وأساليب تعامل الأفراد معها، والمشكلات التي يمكن أن تصادفهم أثناء وجودهم في هذا العالم الافتراضي. ويحاول تفسير الأسباب التي تجعل بعض الأفراد يقعوا ضحايا للتنمر الاليكتروني أو الابتزاز أو التحرش، أو فريسة للأمراض النفسية، والأسباب التي تجعل من الأخرين قادرين على استثمار الفرص والكشف عن الذات الخلاقة المبدعة، والقادرين على التكيف وقبول الأخر. ومن ثم يصبح علماء علم النفس الرقمي لديهم القدرة على التنبؤ الذي يمكنهم من تنمية شخصية الفرد في ضوء استخدامه للفضاء الإلكتروني في الكثير من جوانب حياته، وتدريبهم على تطوير العلاقات على شبكة الإنترنت بطريقة فعالة؛ وتقديم الحلول لمشكلة إدمان التكنولوجيا لدى شريحة كبيرة من مستخدميها، والتصدّي للتنمّر الإلكتروني، باعتباره آفة اجتماعية مقيتة، ومدمّرة للشخصية، وتسخير قوة التكنولوجيا لتحسين الطريقة التي يتعلم بها الطلاب، من خلال تطوير تقنيات التعلم الافتراضي، التي تساعد في تحسين فهم الطالب لجزء معين في الرياضيات، أو العلوم أو غيرها من المواد، بالإضافة إلى دور التعلم الافتراضي في زيادة القدرة على اكتساب مهارات معينة كتعلم لغة جديدة، تحسين التفاعل بين الإنسان والتكنولوجيا من خلال خلق تقنيات تعزز السلوك البشري، وتسهّل إنجاز المهام اليومية سواء العملية أو الوظيفية، استخدام تقنيات الواقع الافتراضي لعلاج مشكلات نفسية، مثل؛ رهاب المرتفعات، أو الرهاب الاجتماعي، وتوفير العلاج النفسي للأشخاص في أي مكان؛ فبفضل علم النفس الرقمي أصبح علاج أي شخص يعاني من مشاكل عقلية ممكنًا عبر الإنترنت، في أي مكان وأي بلد دون قيود… الخ.

مجالات العمل (الفرص الوظيفية) في علم النفس الرقمي

يضم مجال عمل علم النفس الرقمي عديد من الفرص الوظيفية، منها:

  • البحوث: يُجري عالم النفس الرقمي العديد من الأبحاث والتجارب على الشركات الخاصة، والمؤسسات الحكومية والعامة، في موضوعات تختص بمجال العلم الرقمي بدءًا من تنشئة التفاعل الاجتماعي عبر الإنترنت إلى تطوير وتحسين التقنيات التكنولوجية، وذلك لتحسين بيئات العمل وزيادة إنتاجيتها.
  • العلاج: يستخدم عالم النفس الرقمي التقنيات التكنولوجية، مثل الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر، لعلاج المرضى بشكل فردي أو في مجموعات صغيرة، عن طريق إجراء جلسات علاجية افتراضية للأفراد البعيدين جغرافيًا.
  • الاستشارة: يعمل المتخصص في علم النفس الرقمي كمستشار للمؤسسات والصناعات المختلفة، ويُقدّم لها خبراته ومهاراته ومعرفته المتعلقة بكيفية تفاعل الإنسان مع التكنولوجيا، لمساعدتها على تطوير منتجاتها وتحسين خدماتها.
  • العمل مع مصنعي التطبيقات الاليكترونية: كما يُمكن العمل مع مبرمجي الهواتف المحمولة لتصميم تطبيق يحمي المستخدم، ويُساعده على الإبلاغ عن أي إساءة قد يتعرّض لها، مثل: التنمر الإلكتروني.
  • التعليم يعمل عالم النفس السيبراني في القطاع الأكاديمي، حيث يُمكنه العمل في تدريس الطلاب أو إجراء البحوث في الجامعات والكليات، لمُساعدة القطاع الأكاديمي على تطوير أنشطة ووسائل تعليمية تُعلم الطلاب كيفية استخدام التكنولوجيا بطريقة آمنة وفعّالة

أهمية علم النفس الرقمي

تأتي أهمية علم النفس الرقمي من أهمية السياق التي يعيش في الفرد حاليا؛ ذلك السياق الذي نتعرض فيه لكم هائل من المعلومات وفيضان من التقنيات التي تجتاح عالمنا ونغرق فيه، بكل ما لدينا من أعمال وعلاقات اجتماعية؛ وتزامنا مع أشكال جديدة من الحرية أدت الي ظهور معايير سيكولوجية جديدة على سلوكنا وعلاقتنا الاجتماعية؛ فأصبحنا نقضي الوقت مع هواتفنا، أو علي مواقع التسوق، أو الدردشة على مواقع التواصل الاجتماعي، وبالتالي يتفاقم تأثير هذا الفضاء الالكتروني علينا يومياً؛ ويمتد تأثير هذا الفضاء الإلكتروني الي صحتنا النفسية. ومع تقدم التكنولوجيا ودورها في التأثير على أنماط تفكير الأفراد، أصبح من الضروري ظهور علم يهتم بدراسة تفاعل الإنسان مع التكنولوجيا الرقمية، فجاء علم النفس الرقمي لتلبية مثل هذه الحاجة.

 كما تكمن أهمية علم النفس الرقمي من خلال الخدمات الاستشارية والعلاجية: يُقدم جلسات علاجية افتراضية عبر الإنترنت، لمعالجة الأفراد المحتاجين لها والبعيدين جغرافيًا. يوفّر أفضل السبل والوسائل لرعاية الحالات النفسية التي يواجهها المستخدمين، كحالات القلق، والصدمة، والرُهاب. يدرس القضايا المتعلقة بمخاطر التقنيات التكنولوجية، كما يُقدم أبحاث للمستخدمين لتعليمهم كيفية التعامل معها وتجنّب مخاطرها. يُساعد على توفير النصائح والطرق لتحسين تفاعل الإنسان مع التكنولوجيا، وذلك لزيادة قيمتها في حياته وتقليل ضررها عليه، ويكون ذلك من خلال مساعدة الشركات على تطوير وتحسين تقنياتها التكنولوجية لتُحسّن من التفاعل الاجتماعي وتُعزز من السلوك الإنساني.

 ويعتبر علم النفس الرقمي اليوم جزءاً من دراسة المعالجين النفسيين الذين يقدمون خدماتهم عبر الإنترنت دون تواصل مباشر، حيث يحتاج هؤلاء المعالجون إلى معرفة أعمق بتفاعل الأفراد مع الآلات ومع العالم الافتراضي، وتأثير مواقع التواصل الاجتماعي على الأفراد أثناء وبعد استخدامها.

ولا يمكن إهمال الجانب التجاري الذي سيستفيد من علم النفس السيبراني واستنتاجاته في تطوير التسويق الإلكتروني ودراسة سلوك المستهلك عبر الإنترنت. كما يلعب علم النفس الرقمي أيضًا دورًا كبيرًا في تطوير الأعمال. يمكن أن يساعد فهم كيفية تأثير التكنولوجيا ووسائل الإعلام على السلوك البشري في مساعدة المسوقين على إشراك المستهلكين وإقناعهم باتخاذ الإجراءات المطلوبة. يمكن للمهنيين ذوي المعرفة في علم النفس الرقمي تحليل البيانات الرقمية وتفسيرها لفهم سلوكيات المستهلكين ومواقفهم ورضاهم بشكل أفضل. يمكن استخدام هذه البيانات لتشكيل استراتيجية التسويق والمساعدة في تحسين التقنيات والأدوات الرقمية.  كما تكمن أهمية علم النفس الرقمي في كونه استجابةً علميةً لتداخل حياة الأفراد مع التكنولوجيا، ودراسة تأثير هذا التداخل المتنامي على الصحة العقلية والنفسية، ما يساهم على الأمد الطويل بجعل العالم الرقمي مكاناً أفضل وأكثر أماناً.

مجالات علم النفس الرقمي وموضوعاته

المجالات وموضوعات علم النفس الرقمي النظرية

  • موضوعات متصلة بتأثير الفضاء الرقمي علي السلوك:
  • “تأثير عدم التحفظ في الفضاء الاليكتروني” Online disinhibition effect:  وضع هذا المفهوم سولر والذي يشير إلي التحرر والجسارة والانفتاح والارتياح أكثر على الهواء فنتصرف بتحرر، وشجاعة، وعفوية. للإحساس بعدم وجود رادع أخلاقي في الفضاء السيبراني – أو حين نتخيل عدم وجود رقابة، أو تتصور اننا شخصية مجهولة، فضلا عن الإحساس ببعد المسافة المادية عن الآخر.
  • أثر عدم الإحساس بالوقتtime-distortion effect فقدان الانتباه إلى الوقت أثناء الانغماس في بيئة سيبرانية.
  • “تأثير Google”: لا يمكن إنكار تأثير التقنيات الرقمية على العمليات المعرفية للبشر. ويذهب بعض الخبراء إلي أن التعلم المعزز عبر الإنترنت أو الكمبيوتر لا يسمح للأطفال بتطوير هياكل دماغية تعمل بشكل مناسب لتذكر العناصر واستعادتها من الذاكرة. وفقًا لتأثير جوجل، المثير للجدل إلى حد ما، فإن استخدام الإنترنت يغير الطريقة التي نتذكر بها العناصر المتنوعة: تبدأ آليات الذاكرة للأشخاص النشطين في استخدام محركات البحث في تغيير الأداء: ليس المحتوى المفيد نفسه هو الذي يتم تذكره، ولكن الطريقة (أي الملفات والمواقع وتسلسل الطلبات إلى قاعدة البيانات) للوصول إلى المنطقة التي توجد بها المعلومات المطلوبة. وهكذا تحولت أجهزة الكمبيوتر، والأدوات، والهواتف الذكية، والفضاء الإلكتروني نفسه إلى نوع من “الذاكرة الخارجية”. وقد ارتبط بهذا التأثير لجوجل مفهوم آخر؛ عرض له الباحث الألماني م. سبيتزر ويشير إلى ما يسمى بـ “الخرف الرقمي”  “Digital Dementia,”، والمدعومة جزئيًا بنتائج تجارب علم الأعصاب الدقيقة .
  • الهوية والسلوك على الإنترنت، ونشأة مفهوم الذات المرقمنة: من أهم مجالات علم النفس الرقمي دراسة السلوك المتباين للفرد نفسه بين حياته الواقعية وشخصيته الافتراضية على الانترنت، حيث يميل معظم مستخدمي الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي إلى إظهار أنماط سلوكية مختلفة عن سلوكهم في التعامل المباشر وجهاً لوجه، كما يختلف سلوك الجماعات على الانترنت عن سلوك الجماعات في مجال مادي واقعي. يسعي علم النفس الرقمي إلي التساؤل حول: ماذا عسى أن تكون الذات التي تعيش في هذا العالم الذي يشع رقمنة من كل حدب وصوب: كيف نعرف هذه الذات، ما هي هويتها، وهل تمنحها الرقمنة مزيداً من الحرية، أم أنها تخلق ذاتاً مقيدة تسيجها المادة والتكنولوجيا؟ أن بإمكاننا هنا أن نتحدث عن الذات المرقمنة Digital Self، وقد استخدم من قبل مفهوم المواطنة المرقمنة Digital Citizion ليشير إلى المواطن القادر على استخدام المعلومات والبيانات واحترام سريتها وخصوصيتها واحترام حقوق الملكية الفكرية، وتنظم وقته بين العالم الرقمي والعالم الواقعي في حساب خطواته بدقة على طريق الرقمنة. وأنا أميل في هذا السياق إلى استخدام مفهوم الذات المرقمنة. فتصوير المواطن الرقمي يتم على أنه مواطن مثالي يمتلك قدرات خاصة للتعامل مع عالم الأرقام على نحو أخلاقي مثالي كما يتم عادة عند الحديث عن المواطن النشط في الحياة العادية. إن مفهوم الذات المرقمنة يستخدم هنا بفهم أوسع للتعبير عن الوجود الفردي للشخص المرقمن، الذي قد ينم وجوده لا عن جوانب إيجابية فقط بل أيضاً عن جوانب سلبية وكوابح حياتية.

ولاشك أن الذات المرقمنة تتمتع بمزايا عديدة. فهي تجد الحياة سهلة ميسورة، وتحصل على الخدمات بسرعة الهوية – الحرية – المراقبة، ولا شك أنها تحقق أيضاً درجة من الرشد والعقلانية في الاختيار، وقد تحقق درجة عالية من الأمن أيضاً. ولكن هذا الوجود الآمن يواجه بمشكلات تكشف عن الوجه الآخر لانطولوجيا الذات المرقمنة: ترتبط المشكلة الأولى بهوية الذات، التي تعرف هنا وكأنها هوية مقطوعة الصلة بالتاريخ، ومنقطعة الصلة بالعالم المحيط، تتخلي بسرعة عن ثقافتها ورموزها، وتعرف نفسها على أنا مجرد رقم يحمل مجموعة من الأرقام. وتتعلق المشكلة الثانية بحرية الذات. حقيقة إن الذات المرقمنة هي بالضرورة ذات حرة لأنها تملك فرصة الاختيار الرشيد العقلاني. ولكن تبقي هذه الحرية مقيدة بحدود الأكواد والشفرات الإليكترونية التي تنظم عمل الأجهزة والكروت الذكية. وهنا تظهر مشكلة أخرى تتصل بموضوع الحرية، وهي مشكلة المراقبة الذكية التي يتعرض لها الأفراد سواء وهم يمارسون حياتهم اليومية، أو وهم يمارسون نشاطهم عبر الشبكات الإليكترونية. صحيح أن الاتصال الرقمي يفتح عالماً كبيراً وواسعاً لممارسة الحرية الشخصية، ولكن هذا العالم الذي ينتج هذا القدر الهائل من الحرية ينتج في نفس الوقت سياجاً ذكية للمراقبة، بحيث تصبح الحرية في مجملها – اقصد الحرية في الحياة العادية والحرية عبر الاتصال الشبكي- محل شك كبير، وأخيراً توجد مشكلة العلاقة بالآخر، وإمكانية التواصل التي تؤسس ذات البين، وتؤسس للثقة والتعاطف، وبناء الذات العامة والإرادة الجمعية، الأمر الذي يطرح مفهوماً جديداً ومغايراً للآخرية.

  • دراسات الإدمان: ومن أهم ما يمكن أن نفنده كأثر سلبي للفضاء السيبراني على الأفراد هو إدمان مواقع التواصل الاجتماعي الذي يمكن تعريفه بأنه سلوك نمطي سلبي يتمثل في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي لفترات طويلة يقضيها الفرد مع مواقع ذات جاذبية خاصة دون ضرورة مهنية أو أكاديمية، وبشكل يضر به وبعلاقاته الاجتماعية ليصبح معتمدًا عليها في تلبية حاجاته النفسية وغير قادر على الاستغناء عنها مع الشعور بالضيق والتوتر في حين عدم القدرة على متابعتها، ويلحق ذلك تأثيرات على حياته النفسية والاجتماعية. مع ظهور أنماط جديدة من الإدمان على صلة مباشرة بالإنترنت والتكنولوجيا؛ ظهر جدال كبير في علم النفس حول الاعتراف بحالات الإدمان هذه بوصفها اضطراباً نفسياً مميزاً، وبعيداً عن هذا الجدل صنَّفت المنظمة العالمية للصحة اضطرابات ألعاب الانترنت ضمن التصنيف الدولي للأمراض في النسخة الحادية عشرة. ويبحث علم النفس الرقمي في مختلف أنواع إدمان التكنولوجيا وسبل العلاج والتعافي، وتأثير درجات الإدمان المختلفة على الصحة العقلية والنفسية للأفراد وعلى حياتهم العملية، وأبرز أنواع الإدمان التي يبحث فيها علم النفس الرقمي إدمان الهواتف المحمولة ورهاب الانقطاع عن التواصل الاجتماعي والانترنت، وإدمان ألعاب الانترنت. وهذا الإدمان غالبًا ما يكون مترافقًا مع مفهوم ظهر تداوله والإشارة إليه كأثر متصل بإدمان الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وهو “ظاهرة الفومو”
  • ظاهرة الفومو: Fear of missing”

هي ظاهرة نفسيةً اجتماعيةً تكنولوجيةً خطيرةً، تُسبب للمستخدم أضرارًا وخيمةً على صحته النفسية والعقلية تعبر عن القلق من تفويت شيء ما أو مناسبة ممتعة أو مشوقة تحدث في مكان آخر، وغالبًا ما يرتبط ذلك برؤية منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي. فالخشية من فوات الفرصة أو الخوف على شبكات التواصل الاجتماعي باتت ظاهرة مرضية عامة منتشرة في أوساط “الرقميين” المتصلين دائمًا بشبكة الإنترنت، حيث ترى القلق باديًا على ملامحهم، خشية أن يمرّ خبر أو حادثة لا يعلمون بها قبل الجميع، ما أسفر عن متلازمة فومو التي تعني رغبة الشخص ليكون في كل مكان بمنصّات التواصل، بالمشاركة والتفاعل مع المنشورات والتعليق عليها وغيرها ومتابعة الجميع لمعرفة تفاصيل حياتهم. ومن مظاهر متلازمة «الخوف من أن يفوتك شيء» هي بأنها قد تخلق لدينا شعوراً قهرياً ملحاً بضرورة المرور بصورة متكررة على تطبيقات التواصل لمعرفة الجديد لدى الأشخاص الذين نتابعهم، والاطلاع على قصصهم ومنشوراتهم الجديدة. وفي المقابل هنالك قلق مشابه وهو “أن يتم افتقادك”، ويُقصد به أن يظل الشخص في حالة تحديث مستمرة لتفاصيل حياته لكيلا يتم نسيانه وتهميشه من قبل متابعيه.

  • التنمر الإلكتروني: من أهم أهداف علم النفس الرقمي دراسة تأثير المضايقات والتنمر عبر الانترنت على الضحايا، وسلوك المتنمرين، وقد يساهم ذلك في السيطرة على المضايقات عبر الانترنت وإيجاد طرق جديدة لمكافحة التنمر الإلكتروني.
  • الجريمة الالكترونية: بما أن الجريمة الإلكترونية تشكّل هاجساً أمنياً خطيراً في العالم المعاصر، سيهتم علم النفس الرقمي بدراسة أنواع وأنماط الجريمة الإلكترونية ودوافع مجرمي الانترنت، وسيكون ذلك داعماً لجهود علم النفس الجنائي في التحقيقات من جهة، كما يساهم في جعل الانترنت مكاناً أكثر أماناً من جهة أخرى.

المجالات التطبيقية لعلم النفس الرقمي

تشمل تطبيقات علم النفس الرقمي مجالات لا تحصي كالتعليم، الصحة، والقوي العاملة، الامن، الدعم النفسي، الجرائم الالكتروني، إدارة الخصوصية، التنمر الإلكتروني وسلوك المستهلك علي الانترنت.. الح. فتطبيقات علم النفس الرقمي تشمل: الشخصية وسلوك الفرد علي الانترنت، واستخدام السوشيال ميديا والأداء النفسي، والالعاب علي الانترنت، والواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي وتطبيقاته، وTeletheraby هو مفهوم يشير إلي الدعم النفسي الذي يتلقاه الشخص عبر الانترنت وليس وجها الي وجه.

تتعدد المجالات التطبيقية لعلم النفس الرقمي وتتباين مع اتساع استخدامات الباحثين له ونذكر فيما يلي تطبيقات علم النفس الرقمي في ثلاثة مجالات : الارشاد والعلاج النفسي الرقمي – التعليم الرقمي – التسويق الرقمي.

  1. الارشاد والعلاج النفسي الرقمي:

العلاج النفسي في الفضاء الإلكتروني، المعروف أيضًا باسم العلاج الإلكتروني أو العلاج عبر الأثير ،شهدت تقنيات العلاج النفسي عبر الانترنت تطوراً كبيراً في السنوات القليلة الماضية، وسيحتاج المعالجون النفسيون إلى دراسات واستنتاجات علم النفس الرقمي لتعزيز فاعلية العلاج عبر الانترنت وتعزيز العلاقة بين المريض والمعالج في غياب التواصل المباشر. يعد العلاج النفسي في الفضاء الإلكتروني أو العلاج الإلكتروني أمرا مثمرا للجدل بسبب قضايا متعلقة بفعاليته وشرعيته وتأثيره.

 الشكل الأكثر شيوعا للاستشارات عبر الكومبيوتر هو أن يقوم الشخص بإرسال يريد إلكتروني أو الدردشة الإلكترونية مع المعالج (الاستشارة عبر الإنترنت). قد يكون العلاج الإلكتروني فعالا بشكل خاص عندما يتم عن طريق الفيديو حيث يتم إيصال إشارات مثل تعابير الوجه ولغة الجسد -ولو بطريقة أقل من اللقاء وجها لوجه. وفي الوقت هناك تطبيقات جديدة للتكنولوجيا في علم النفس والرعاية الصحية والتي تستخدم مكونات الواقع المعزز والافتراضي – على سبيل المثال في علاج إدارة الألم، وعلاج اضطراب ما بعد الصدمة، واستخدام الصور الرمزية في البيئات الافتراضية، والسلوك الإدراكي المحوسب ذاتيًا والتوجيه الطبي؛ عن طريق استخدام “أفاتار” أو مجسم مرئي في البيئات. كما يوجد علاجات السلوك المعرفية عن طريق الكومبيوتر تحت توجيه الطبيب، أو بتوجيهه ذاتي وقد أعطت الأعمال الوافرة لـ باراك من جامعة حیفا، والبحوث المتزايدة في الولايات المتحدة والمملكة المتحدة دليلا قويًا على فعالية العلاج النفسي الرقمي، وأحيانا تفوق، فعالية العلاج التقليدي الذي يتم عبر المكتب. وقد صرحت خدمات الصحة الوطنية البريطانية بأن العلاج السلوكي المعرفي المحوسب هو الأسلوب المفضل لعلاج القلق والاكتئاب الخفيف إلى المتوسط وتشمل تطبيقات علم النفس والطب ابتكارات مثل “المربض الافتراضي” وغير من برامج الواقع الافتراضي المعززة والتي بمكن أن توفر للمتدربين جلسات محاكاة بينما توفر أيضا طرقا للإشراف العيادي المكمل.

  1. التعليم الرقمي

تؤسس الرقمنة بذلك لعالم جديد يمتزج بالعالم الواقعي ويصبح جزءاً منه رغم أنه يفرض عليه من الخارج. وأصبح على الإنسان أن يطور من نفسه ومن قدراته لكي يكون قادراً على أن يتكيف مع هذا العالم الجديد. ولاشك أن الفشل في تحقيق هذه الضرورة يجعل الإنسان عاجزاً عن الوصول إلى درجات معقولة من التكيف، بل أن هذا العجز يدفعه إلى الهامش، إذ يضعه في زمرة من الناس تعاني من شكل جديد من الأمية وهي الأمية الرقمية. لقد تحدث علماء العلوم الاجتماعية منذ عقدين من الزمان عن الهوة الرقمية أو الانقسام الرقمي Digital Divid الذي أصبح يتوازى مع انقسامات جندرية وطبقية واثنيه وتعليمية. أننا هنا بصدد التمييز بين البشر بناء علي القدرة على التواصل عبر الوسائط الرقمية، والإشارة إلى أشكال جديدة من الأمية الرقمية أو العجز الرقمي.

لا يكتفي الباحثون في تناول العلاقة التكنولوجيا الرقمية وعلم النفس عند نقطة الأمية الرقمية التي سوف يتم اعتبارها أحد متغيرات تقسيم خصائص الديموغرافية للبشر. ولكن بدأ اهتمام علم النفس الرقمي بالمتطلبات التي يجب توافرها في المعلم الرقمي وكيف يمكن التدريب عليها والتطبيقات الرقمية في هذا الصدد. تبرز أهمية إعداد المعلم الرقمي وتهيئته للتعامل مع البيئات التعليمية الرقمية، حيث تتطلب معلًما رقمًيا يكون ملًما بمستحدثات التكنولوجيا وتطبيقاتها المختلفة، ومطلعا على كل ما هو جديد في عالم تقنيات التعليم الحديثة، ولدية القدرة على التعامل مع الفصول الافتراضية، كما يجب أن يكون المعلم الرقمي ملًما بوسائل التقويم الإلكتروني، وكيفية التعامل مع المقررات الإلكترونية وما تحويه من وسائط تفاعلية والتي بدورها تسهم في إثراء البيئة الرقمية بصورة مشوقة ومتناسبة مع ميول واتجاهات الطلاب وأنماط تعلمهم المختلفة. كما تتطلب البيئة الرقمية معلًما يملك مهارة القدرة على نقل المعرفة من خلال الوسائط الإلكترونية واستيعابها من قبل طلابه، وعرض المحتوى الرقمي للمادة العلمية بطرق واستراتيجيات عصرية مناسبة للفئة المستهدفة من المتعلمين، لخلق المزيد من الفرص للطلاب نحو الابتكار والإبداع في الأنشطة التعليمية. أو بالأحرى تتطلب معلما مشرفا على المعرفة وليس ناقلا للمعرفة.

التسويق الرقمي: يعد التسويق الرقمي من المجالات التطبيقية المهمة في علم النفس الرقمي؛ فنحن تحتاج الآن وأكثر من أي وقت مضى إلى الاطلاع على اتجاهات جديدة في التسويق والبيع بنا ًء على أسس علمية واضحة، إذ لا شك أن هناك الكثير من القواعد التي وضعها علم التسويق للاستفادة من الفهم الشامل للإنسان وكيفية التأثير فيه ودفعه للشراء. لكن الحقيقة أن علم النفس أسهم أيضا بقوة في عملية التسويق والبيع، من خلال عدة أسس وقوانين تفهم دواخل الإنسان جيدا. وفي الواقع فإننا جميعا نميل إلى شراء أشياء لا نحتاج إليها فعليا، حيث إن هناك أشياء داخلنا تدفعنا إلى ذلك. هذه الدوافع الغامضة هي التي درسها علم النفس، ليضع مجموعة قوانين تؤثر في عملية البيع والشراء، ومن هذه القوانين (المعاملة بالمثل – الالتزام والاتساق – الندرة – عنصر الخوف – تأثير سعر الإغراء … الخ).

مستقبل علم النفس الرقمي

هل علم النفس السيبراني ترف؟

يعتقد البعض أن علم النفس السيبراني ترف وموضة لتحويل كل شيء إلى نخسة تقليدية ونسخة محدّثة، ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن علم النفس الحديث قادر على تقديم الكثير من الإجابات بإسقاط نظرياته واستنتاجاته على عالم الانترنت، ما يجعل علم النفس السيبراني ترفاً لا حاجة لنا به، أو على الأقل لا يمكن تصنيفه كعلم مستقل بذاته وقادر على صياغة نظريات جديدة وإيجاد استنتاجات فريدة.

على أرض الواقع ما زال علم النفس السيبراني علماً وليداً، يواجه تحديات كبيرة في مواكبة التطورات السريعة لعالم التكنولوجيا، وغالباً سيكون علم النفس السيبراني من أهم فروع علم النفس في المستقبل القريب، حيث أصبح الخيط الفاصل بين العالم الحقيقي والعالم الافتراضي ضبابياً، ويوماً بعد تزداد الحاجة لفهم مدى التأثير الذي أدخلته التكنولوجيا على حياتنا فعلاً، ووصف علم النفس السيبراني بالترف يذكّرنا بنشأة علم النفس الحديث وعلم الاجتماع.

كيف ستغير الوسائط الرقمية مجالات علم النفس والعلاج النفسي في السنوات المقبلة؟

ستعمل الوسائط الرقمية على إحداث تحول في رعاية الصحة التقسية والبحث الإكلينيكي في السنوات المقبلة. الأدوات المستندة إلى الإنترنت والأجهزة المحمولة لديها القدرة على نشر تدخلات الصحة العقلية القائمة على الأدلة على الصعيد العالمي وجعل إجراءات التشخيص أكثر دقة. سيتجه البحث نحو نهج أكثر عبر مناهجية من أجل تطوير وتقييم الوسائط الرقمية علميًا بما في ذلك جميع أصحاب المصلحة.

ما هي التحديات الرئيسية لاستخدام الواقع الافتراضي في البحث؟

يحتاج البحث إلى إشراك أحجام عينات أكبر – عينات لا تتكون ببساطة من طلاب جامعيين – فحص الاستخدام المتكرر للواقع الافتراضي بمرور الوقت ، وإلقاء نظرة على مقاييس النتائج الطولية.

ما هي التحديات الرئيسية لاستخدام الوسائط الرقمية في البحث والعلاج؟

تأتي البيانات الضخمة في تنوع كبير فيما يتعلق بتنوعها (تنسيقات البيانات) والحجم والسرعة، والتي نشير إليها باسم VVVs. والآن تأتي المشكلة: علماء النفس معتادون على إجراء الإحصاءات الوصفية والاستنتاجية، والتي لا تزال ذات صلة. ولكن من الصحيح أيضًا أنه عند التعامل مع البيانات الضخمة، يجب استكمال هذه الأشكال الأكثر كلاسيكية لتحليل البيانات باستراتيجيات تحليل جديدة، بما في ذلك التعلم الآلي. بعيدًا عن هذه المشكلة المنهجية، ينشأ الخطر من أن الباحثين سيكتشفون في كثير من الأحيان الارتباطات الزائفة التي لن تكون ذات مغزى، لأنها تظهر بشكل عشوائي. لذلك، سيكون من الأهمية بمكان جلب التفكير الموجه بالنظرية إلى مجال تحليل البيانات الضخمة. بالطبع، هذا لا يعني أن التحليلات الاستكشافية ليست ذات قيمة عند فحص البيانات الضخمة. ولكن يجب تحديد مثل هذه التحليلات على أنها استكشافية بطبيعتها ويجب تكرار النتائج.

معظم أدوات الوسائط الرقمية المتوفرة حاليًا في مجالات علم النفس الإكلينيكي والعلاج النفسي لم يتم اختبارها بدقة في تجارب مضبوطة. يكمن التحدي في إنشاء نظام لضمان الجودة للوسائط الرقمية يُعلم المرء بالجودة الفعلية للأدوات الرقمية. من أجل منع الضرر ، يوصى فقط بالأدوات الرقمية القائمة على الأدلة المقيمة علميًا. تشمل التحديات الأخرى تدريب المعالجين على التطبيق الفعال للوسائط الرقمية وكذلك تنظيم من يصف ويغطي تكاليف نشرها.

ماذا تتوقع من تقييمات الأجهزة المحمولة ، و i-CBT ، والواقع الافتراضي ، والنمذجة الظاهرية الرقمية والبيانات الضخمة في العقد القادم؟ كيف سيؤثر ذلك على التدخلات العلاجية؟

 في العقد المقبل، ستولد التقييمات الرقمية للأجهزة المحمولة الذكية بيانات ضخمة من أجل التنميط الظاهري الرقمي للصحة العقلية. سينتج عن ذلك نتائج وبيانات علمية جديدة تمامًا، ويجعل رعاية الصحة العقلية الموجهة بدقة ممكنة.

سيقوم المزيد والمزيد من المعالجين بدمج العلاج الواقعي الافتراضي والتدخلات القائمة على الإنترنت والهاتف المحمول (لا تقتصر على iCBT) والتشخيصات الرقمية الذكية في عملهم العملي. هناك حاجة ملحة لإبقاء الأطباء والمستهلكين على اطلاع دائم بفرص ومخاطر الوسائط الرقمية المتاحة حاليًا. يجب أن تدرك الحكومات الحاجة إلى توفير الرقابة والتنظيم لحماية المستهلكين الضعفاء.

على الرغم من أن الدراسات النظرية والإحصائية في هذا المجال متمركزة حول استخدام الإنترنت إلا أن علم نفس الإنترنت يشمل أيضا دراسة التداعيات النفسية للشخصية الخارقة، الذكاء الاصطناعي والواقع الافتراضي. ورغم أن بعض هذه الموضوعات يبدو من الخيال العلمي إلا أنها سريعا ما تتحول إلى حقائق علمية كما وضحت العديد من المناهج المتعددة الاختصاصات والتي تشمل مجالات البيولوجية والهندسة والرياضيات. وما بزال مجال علم النفس الرقمي قابلا للتحسين والتهذيب، ومفتوحا لأهداف جديدة بما في ذلك التساؤلات حول طبيعة الاتجاهات الحالية والمستقبلية للأمراض النفسية المتعلقة بالتقدم التكنولوجي.

وكلما توسع التداخل بين الإنسان والآلة فإن دراسة “التفاعل بين الإنسان والحاسوب” التي هي ضمن مجال علم النفس الرقمي تصبح أكثر أهمية لفهم الأنماط العصرية الحالية لكثير من الناس. ومع ارتفاع أعداد مستخدمي الكومبيوتر والإنترنت حول العالم فإن تأثيرات تقنية الكمبيوتر على النفس البشرية سوف تستمر في تشكيل تفاعلاتنا مع بعضنا، وتشكيل تصوراتنا عن عالم الإنترنت الذي هو بين أيدينا.

ورغم ما يحيط بالعالم الافتراضي الرقمي من اتهامات كبيرة كونه يعزل الإنسان عن مجتمعه الواقعي، إلا أنه يحفل بالإيجابيات أيضاً خصوصاً لصالح أولئك الذين يجدون صعوبة في التواصل مع مجتمعهم الحقيقي، فقد وجدت دراسة قام بها باحثون أستراليون تحت عنوان «وجهاً لوجه، أم فيسبوك» أن هنالك نوعاً إيجابياً من التواصل الاجتماعي يحدث في منصة فيسبوك، يتمثل في الشعور بالانتماء النفسي والترابط الاجتماعي لدى مستخدمي هذه المنصة عند تواصلهم مع أصدقائهم، وارتبط هذا الشعور بانخفاض ملحوظ في مستويات القلق والاكتئاب لديهم. كما وجدت دراسات أخري أن هناك ألعاب معينة تنمي الذكاء وتساعد علي التذكر الجيد وتحسين الانتباه، ووجد عدد كبير من الأفراد إمكانيات واسعة لمعرفة قدراتهم ومهاراتهم وبالتالي فتحت لهم فرص للدراسة والعمل. فالتداعيات الإيجابية للرقمنة متعددة  ويصعب حصرها.

وقد يستشهد البعض في مخاوفهم من العالم الرقمي برد الملك المصري ثاموس (ابن رمسيس) على تحوت (إله الحكمة لدي الفراعنة، ومخترع العلامات التي تمكّن من الكتابة والقراءة قائلا: “في الواقع، سيُدخل النسيان في نفوس من يتعلمه: لن يمارسوا استخدام ذاكرتهم لأنهم سيضعون ثقتهم في الكتابة، وهي خارجية، وتعتمد على إشارات تخص الآخرين، بدلاً من محاولة التذكر من الداخل، بمفردهم. لم تكتشف جرعة للتذكر، ولكن للتذكير؛ تزود طلابك بمظهر الحكمة لا بواقعها. سيمكنهم اختراعك من سماع أشياء كثيرة دون تعليمهم بشكل صحيح، وسوف يتخيلون أنهم أصبحوا يعرفون الكثير بينما في معظم الأحيان لن يعرفوا شيئًا. وسيكون من الصعب التعايش معهم، لأنهم سيبدو حكماء فقط بدلاً من أن يكونوا حكماء بالفعل”. فالتعلم الرقمي يجعل المتعلم لديه معرفة ولكنها معرفة وقتية سرعان ما تزول لأنها ليست من صنع يده.

وفي النهاية (ماذا بعد؟)

أعتقد أن الوقت قد حان للتوقف قليلا، نضع أجهزتنا الذكية جانبًا، نغلق اللابتوب، نأخذ نفسًا عميقا ونتأمل، نفعل الشيء الذي نبرع فبه كبشر.. التفكير. علينا التفكير كثيرا. علينا البدء بالنقاش فورًا والبحث عن إجابات وحلول. أفضل اتجاه نتبعه لا بد أن يكون متعدد الأنظمة المعرفية. ليس لدينا وقت للانتظار حتى تأتي الحقول الجديدة بدراساتها المطولة. نحتاج إلى سماع آراء الخبراء والباحثين ضمن شبكة واسعة من الميادين للمساعدة على توضيح المشاكل واقتراح أفضل الحلول. لن نتوقع من الأفراد أن يديروا كل الأشياء السيبرانية بأنفسهم أو لعائلاتهم. يحتاج العلم، والصناعة، والحكومات، والمجتمعات، والعائلات، إلى الترابط فيما بينهم لخلق خريطة طريق للمجتمع الذي يسعى للتقدم.  فقبل أن نتكيف ونستقر في هذه المجتمعات الرقمية، دعونا نتأكد من أن هذا هو المكان الذي نريده.

وفي النهاية، إن المجتمعات الفتية تحاول أن تستقطب قدرات شبابها لإنجاح مسيرة تطورها، إلا أن توجه فئة الشباب على وجه الخصوص إلى التمركز خلف شاشات الفضاء السيبراني يحد من فعاليتهم على أرض الواقع ويقلص مستوى إبداعهم. وتصبح الحاجة ملحة اليوم لعلم النفس الرقمي مع تضخم التعامل الإنترنتي والتزاحم الكبير لمعطياته وكثافة متعاطيه، وهذا ما يستدعي بالضرورة إثراء هذا العلم والعمل على ترقية أدواته وتطبيقاته.

إن علم النفس الرقمي، أو علم نفس الفضاء الإلكتروني، أو علم النفس السيبراني أو أيا ما كان مسماه مازال في بدايته، وهو فضاء واعد جداً يتطور مع تطور تقنية التواصل الإنساني، وكما أن لا أحد يستطيع التنبؤ بما سيصل إليه هذا التحول التكنولوجي الرقمي، فإن انعكاساته على النفس البشرية لا يمكن التنبؤ بها أيضاً، لكن من المهم أن يظل علماء النفس في مواكبة دائمة لتداعياته على الإنسان، فالمعطيات تشير إلى أننا سنحتاجهم بشكل مضاعف في المستقبل.

تم انتهاء الفترة المسموحة بالتعليق