التسجيلة
العدد الثاني 01/22/2023
مجلة رقمية دورية تصدر عن الفهرس العربي الموحد
الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت
الأمين العام للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في دولة الكويت
تاريخ النشر : 13 مارس، 2022
الموارد البشرية أساس النهضة المرتقبة ورهان المستقبل الثقافي العربي

للمؤسسات الثقافية العربية مهام جسام وأدوار هامة ومسؤوليات كبيرة لمواصلة أنشطتها وتحقيق أهدافها والقيام على مشروعاتها الحاضرة والمستقبلية والتطوير النوعي الشامل، ومواكبة التقدم والتطور الذي يطرأ ويستجد في عالم الثقافة العالمية، بما يتناسب وخصوصية هوية الثقافة العربية وسماتها المتأصلة فيها .

ما هي المؤسسات الثقافية العربية ؟

نجدها متمثلة في تلك الجهات الحكومية الرسمية  والجمعيات والأندية الثقافية الأهلية وفي المكتبات بجميع أنواعها الوطنية والمتخصصة والأكاديمية والمدرسية والعامة والتجارية وفي دور الوثائق والمخطوطات والمتاحف كافة ، والمراكز الثقافية ودور السينما والمسرح وقاعات الفنون التشكيلية والعروض الفنية والموسيقية ، ودور النشر والتوزيع والدوريات الثقافية .

لكل من هذه المؤسسات أغراضها وأهدافها المتخصصة، في كافة الدول العربية ولها أعمالها وبرامجها وأنشطتها المتنوعة، ولكنها جميعاً تؤدي الدور الوطني (القطري) متضافرة لتفعيل وإنهاض الثقافة في المجتمعات العربية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل هناك من تكامل واندماج في استراتيجية وطنية واحدة على مستوى كل دول عربية؟ لا أعتقد أن ذلك موجود، بل يتطلب إعادة نظر ووضع الخطط والاستراتيجيات التوافقية والتشاركية بين القطاعين العام والخاص وكذلك القطاع الأهلي، في التفاهم والعمل الجماعي والتعاون المشترك لإقامة المشروعات والبرامج الوطنية ذات الأهداف الإيجابية البناءة، التي تعمل المؤسسات الثقافية العربية في كل بلد عربي على تحقيقها معًا، ونضيف لواقع المشهد الثقافي العربي حدة المنافسة الفردية للمؤسسات الثقافية العربية فيما بينها، وهو سلاح ذو حدين إن كانت منافسة سلبية تهدم البناء الجماعي المشترك، أو منافسة إيجابية لا تخلو من التعاون والتفاهم وتحقيق الآمال والأهداف المشتركة .

وعلى مستوى العمل الثقافي العربي القطري في كل دولة، يعلو صوت المطالبة لدى المفكرين والمثقفين العرب، الذين يطالبون بترسيخ وتطبيق مفهوم الدولة الوطنية أي الدولة ذات الانصهار والتعايش الاجتماعي الإنساني والتضامن والتكاتف لبناء الوطن على أساس الثقافة الوطنية الشاملة والتضامن والتكاتف لبناء الوطن على أساس الثقافة الوطنية الشاملة برغم تعددها وتنوعها والتي يجب أن يسودها الاحترام المتبادل .

والحذر الشديد من التعصب والتطرف والتشديد في تغليب الثقافات بين أفراد الشعب الواحد، فهو بداية أسباب التفكك والانهيار ، وهو البوابة التي تنفذ منها مصالح التقسيم والتفتيت للوحدة الوطنية على أساس ديني أو عرقي أو طائفي أو مناطقي، فالثقافة تجمع ولا تشتت وتوحد ولا تفرق، والثقافة إحدى أهم وسائل دعم الاستقرار وصنع السلام الداخلي والعربي القومي، وتتيح الثقافة أعظم فرص التنمية التعليمية والاجتماعية، ورفع مستوى الوعي والتنوير والإدراك الوطني المسؤول في المجتمع العربي الواحد، والدولة الوطنية والتي تعتمد الثقافة إحدى أهم مقوماتها ونموها وازدهارها، إنما تنشئ مشروع سياسي واجتماعي مستقر ومستدام حاضن لجميع أفراد الشعب، مهما تكن الاختلافات فيما بينهم، ومحلاً أساسياً للتقارب والتفاهم والقبول، ومن ثم يزيد فيها الانتماء والولاء للوطن، الأمر الذي لا تصنعه إلا الثقافة الرصينة ومع الدعوة المستمرة لانفتاح الثقافة المحلية والعربية على الثقافة العالمية ومواكبة الإنتاج الثقافي والمعرفي الرقمي عند العالم المتقدم، فمن المهم وضع الخطط وبرامج العمل في المؤسسات الثقافية العربية للنهوض بواقع الحال الذي لا يبعث على الرضا والسرور، وبحسب تقديرات منظمة اليونسكو فإن نسبة إسهام العالم العربي في إنتاج الكتاب الورقي والرقمي لا تتجاوز 0.9% من الإنتاج العالمي خلال الربع قرن الماضية، فيما النسبة في أوروبا 50% وعدد الكتب الصادرة في الثقافة العامة المنشورة على مستوى العالم العربي لا يتجاوز 5 آلاف عنوان في السنة، بينما يصدر- مثلا- في الولايات المتحدة الأمريكية نحو 300 ألف عنوان في السنة، وهي فجوة كبيرة يزيد من حدتها أيضا ضعف مستوى ونوعية المحتوى الثقافي والعلمي العربي وضعف كثافة النشر الفضائي.

إن تفعيل وتنشيط حركة الترجمة والتأليف والنشر، إضافة إلى تعزيز المحتوى الثقافي العربي الرقمي، يعد ضرورة لا غنى عنها في استشراف المستقبل الواعد، للاندماج في تيار الثقافة العالمية من موقع الندية والإسهام والمشاركة في ركب الحضارة العالمية بفعالية.

إننا في عصر الانفتاح الثقافي العالمي ويمثل لنا المستقبل التحدي الكبير للولوج والمشاركة والمنافسة وهذا الاتجاه لا يعني اتخاذ منعطف يلغي التراث والأصالة والهوية والقيم الاجتماعية والدينية والتقاليد الراسخة في نفوس العرب وثقافاتهم المتعددة، إنما هو انفتاح على العلوم والثقافات الأجنبية والمعارف التي ترفع من التواصل وتكسر الانغلاق عند بعض المجتمعات العربية وتقوقعها، مما يجعلها أكثر عرضة للوقوع بسهولة تحت أسر الفكر الواحد والرأي الواحد المتعصب، فتيارات الظلام والتطرف تنشط في أجواء الانغلاق الذي يسد الانفتاح والاستفادة من الإنتاج الفكري والثقافي العالمي بما يفيد المجتمعات ويحصنها ويقويها ويكسبها المنعة، والتصدي لأي غزو فكري هدام وضار بالمجتمع.

إن الدورة الحادية والعشرون لمؤتمر وزراء الثقافة العرب عقدت عام 2018 في جو اتسم  بتحديات كبرى تواجه السياسة الثقافية في البدان العربية، وهو ما يبرز اختيار موضوع: المشروع الثقافي العربي أمام التحديات الراهنة موضوعاً رئيسياً لهذه الدورة .

وإذا كان المقصود بهذا المشروع الثقافي العربي ، تلك البوصلة المؤدية إلى رؤى حضارية جامعة فمن نافلة القول إن التحديات الراهنة موضوع هذا المشروع كثيرة ومتنوعة، تتفاقم سطوتها سنة بعد سنة، ومن جملتها ما يؤثر في الحقل الثقافي بمفهومه الواسع، وهي التي تعني هذا المشروع الثقافي العربي انطلاقاً من راهن التحديات الثقافية الداخلية للدول العربية ، وأخذًا بالاعتبار واقع التحديات الثقافية العالمية .

لا يمكن تحصين الذات الحضارية العربية ضد الاختراقات الغربية المهيمنة، دونما قدره حقيقية على إنتاج هذه المضامين، وتخليصها من هيمنة العولمة الثقافية على الممارسات الثقافية، خصوصا لدى الشباب العربي، وهو ما يوسع الهوة بينه وبين موروثه وتراثه ومقومات هويته جيلاً بعد جيل .

وقد أخذ إعداد المشروع الثقافي العربي في الاعتبار، كون أقوى تحدياته تكمن أساساً في مغبة التناقض والاختلافات الموصلة إلى الصراع بين الشعوب، وهي النظرية الغربية التي تروج لصراعات الثقافات المزعوم، والتي سخرت له آلة  الإعلام الغربي الكاسر تدعمها منابر ثقافية وسياسية عربية مؤثرة، قادرة على اختراق المجتمع العربي للدعوة إلى الصراع المفتعل بين الثقافة الرجعية العربية في التقاليد الاجتماعية والتزمت الديني وبين الانفتاح والتطور والحرية الغربية.

علينا كعرب مسؤولية النهوض بالمشروع الثقافي العربي، والذي نحافظ فيه ومن خلاله على لغتنا العربية القوية محصنة من تأثير أي محاولات لإضعافها غربية كانت أم شرقية، والاستفادة فقط من التقدم العلمي والتكنولوجي في مختلف المجالات لما يحققه فيها الغرب من تطور هائل واكتشافات مثيرة وانعكاسات ذات فوائد جمة على الإنسان والمجتمعات والأمم .

ولذا علينا أيضاً مسؤولية التواصل والانفتاح بالحوار الموضوعي والتعامل الدولي البناء مع كل المنابر الثقافية الغربية، بروح التعايش السلمي والتفاهم والتسامح الذي يولد السلام والاحترام، ويمكننا بهذه الروح المنفتحة برقي حضاري أن نجعل من لغتنا  العربية مصدر إعجاب وتقدير أكثر من الغرب لها، والإٌقبال على فهمها والترحيب بانتشارها في المجتمعات الغربية وقبولها والاقتناع بها، والثقة بصناعها العرب المنفتحين منذ تاريخ اللغة العربية ذاته على الشعوب والقبائل والأمم للتعارف والتبادل الفكري والمعرفي الإنساني.

ومن المهم دعوة الدول العربية إلى بذل الجهود لتنفيذ إصلاح ثقافي شامل يؤسس ويرسم سياسات العرب الثقافية بناء على تشخيص دقيق لواقع الإنتاج والممارسات الثقافية، و تعزيز مكانة المعرفة وما يرتبط بها من صناعات إبداعية خلاقة بما يجعلها قادرة على المشاركة في منظومة الإنتاج المعرفي العالمي، مع المحافظة على خصوصيات كيانها الثقافي والحضاري .

إن مجموع التحديات التي تدعو إلى بناء مشروع ثقافي عربي وتحقيق الأمن الثقافي العربي ، محوره الأساسي  التعاون في العمل العربي المشترك وروافده كثيرة تحركها وتدفع مساراتها اللغة العربية .

ونستذكر لقاء وزراء الثقافة العرب  في مؤتمرهم الثاني والعشرون في الفترة من 18 وحتى 20 ديسمبر 2021م في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.  

وصدر عن المؤتمرات عدة قرارات كان أهمها:-

  • اعتماد الدول العربية لإعلان دولة الإمارات العربية المتحدة للغة العربية بتاريخ 18 ديسمبر 2021م والمصادف اليوم العالمي للغة العربية ، والتوقيع على إعلان اللغة العربية بحضور الوزراء والمسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي لعدد (19) دولة عربية.

وفيما يلي العناوين الرئيسية لإعلان الإمارات للغة العربية:-

أولاً: اللغة العربية هوية.

ثانياً: تعليم اللغة العربية وتعلمها.

ثالثاً: المحتوى العربي.

رابعاً: تكنولوجيا اللغة العربية.

خامساً: الصناعات المتعلقة باللغة العربية.

سادساً: حركة الترجمة.

سابعاً: اللغة العربية والعلوم.

ثامناً: اللغة العربية لغة عالمية.

تاسعاً: المرجعيات والسياسيات الوطنية.

عاشراً: مستقبل اللغة العربية .

مراجعة الخطة الشاملة للثقافة العربية :

انطلق مشروع المراجعة من استعراض تحليلي لأهم التطورات التي ميزت المشهد الثقافي العربي خلال العشرية المنصرمة، وما اكتنف هذه التطورات من ملابسات وما حاق بها من مستجدات سياسية واقتصادية واجتماعية وما أفرزته من تحديات ورهانات جديدة .

أكد الوزراء المسؤولين عن الشئون الثقافية في الوطن العربي ، على أهمية مخرجات مشروع مراجعة الخطة الشاملة للثقافة العربية وتحديثها في تيسير التبادل الثقافي، وتطوير العمل الثقافي العربي المشترك .

وقدم أصحاب السمو والمعالي والسعادة رؤساء الوفود في كلماتهم التوجهات الاستراتيجية للدول العربية في مرحلة ما بعد جائحة كوفيد 19، التي أكدت على ضرورة حيوية وتفعيل المشروع الثقافي العربي المشترك الذي يساهم في صون الهوية العربية وحماية الأجيال الناشئة من مخاطر التطرف والانحراف .

كما بحث المؤتمر سُبل وآليات تعزيز الوحدة الثقافية العربية وضمان استدامها من خلال بناء مجتمعات المعرفة المتعددة والشمولية، وتعزيز انفتاح الثقافة العربية على ثقافات العالم ، ودعم الأواصر مع الثقافات الإنسانية، والإسهام الفاعل في صياغة المشروع الحضاري الإنساني في إطار قيم الاختلاف والتنوع مع مراعاة خصوصية اللغة العربية الجامعة والمؤيدة إلى الثقافة العربية الزاخرة حضاريا وتراثياً وتاريخيا ومعرفيا كونها تستمد ديمومتها وصيرورتها من تنوعها وعراقتها وتعدد مناهلها الجغرافية والتاريخية واللغوية .

ومن أبرز فصول الخطة الشاملة للثقافة العربية توجيه الاهتمام أكثر إلى المشروع النهضوي للغة العربية في إطار التنسيق والتعاون الثقافي العربي المشترك وتعزيز إمكانات الوحدة الثقافية للأمة العربية .

ووضع اللغة العربية في صدارة تطوير الاستراتيجيات الوطنية للتنمية الثقافية في الدول العربية ، وحث المؤتمر الدول العربية على الاستفادة من المزايا والخدمات التكنولوجية الرقمية ونشر المحتوى الثقافي والعلمي والأدبي العربي بما يعزز ويقوى التعاون والتواصل العربي المشترك ثقافياً، ورفع حصة المساهمات العربية في ذلك، واعتمادها على الصناعات الإبداعية في العالم العربي .

تقع على المؤسسات الثقافية العربية مسئولية كبيرة في دعم الحماية والإغاثة لصون التراث الثقافي العربي من الأضرار والاندثار خاصة في زمن النزاعات المسلحة والحروب وفي ظروف الكوارث والأزمات الطبيعية، خاصة مناطق الآثار والمباني التاريخية  والمعالم التراثية المادية، وهو إرث إنساني تاريخي خالد، ولأن العالم العربي يحفل بأضخم المواقع الأثرية لحضارات عريقة سادت العالم العربي منذ ما قبل التاريخ الميلادي بآلاف السنين، فإن المؤسسات الثقافية العربية عليها مطالب حماية الممتلكات الثقافية للبشرية والتعاون العربي الوثيق في هذا المجال، ونموذج ذلك في المنظمة العالمية لحماية التراث الثقافي (ALIPH) التي تأسست وأنشأت صندوق مالي من الدول والمنظمات المانحة لدعم جهود إنقاذ مناطق الآثار والمباني التاريخية المعرضة والتي تتعرض للأخطار وتحتاج إلى الترميم وإعادة التأهيل، والدول التي ساهمت في إنشاء المنظمة هي المملكة  العربية السعودية (30 مليون دولار) ودولة الإمارات العربية المتحدة (20 مليون دولار) ودولة الكويت (5 مليون دولار أمريكي ) بالإضافة إلى مساهمات دول أجنبية أخرى مثل الجمهورية الفرنسية وجمهورية الصين الشعبية وسويسرا وغيرها .

إن جميع ملفات النهوض بمستقبل الثقافة العربية، يعتمد على الشباب العربي فهم أساس النهضة المرتقبة ورهان المستقبل والطاقة المحركة والفاعلة لتطوير الواقع وإنماء الثقافة العربية، فالموارد البشرية العربية العاملة في قطاع الثقافة بالبلدان العربية بحاجة إلى مزيد الاهتمام بالتدريب وتنمية الموارد البشرية في حقول الثقافة كافة، وتأهيل الجيل الحاضر والأجيال القادمة بوسائل كسب المعارف الحديثة واستخدام التكنولوجيا والقدرة على إدارة وتشغيل المرافق الثقافية بكفاءة وجدارة .

ومن الجدير بالذكر أن خلق حزم من التشجيع والتحفيز لتوليد العطاء والإنجاز وبلوغ الإبداع والتميز، مثل منح الجوائز رفيعة المستوى وتقدير الدعم المعنوي والمادي والفني وتشجيع طباعة المؤلفات الجيدة والإنتاج المتميز، لتوسيع قاعدة الشباب الذين لهم إسهامات ثقافية قيمة مهمة جداً لإحداث نهضة جديدة عمادها الشباب العربي المثقف .

للمؤسسات الثقافية العربية مهام جسام وأدوار هامة ومسؤوليات كبيرة لمواصلة أنشطتها وتحقيق أهدافها والقيام على مشروعاتها الحاضرة والمستقبلية والتطوير النوعي الشامل، ومواكبة التقدم والتطور الذي يطرأ ويستجد في عالم الثقافة العالمية، بما يتناسب وخصوصية هوية الثقافة العربية وسماتها المتأصلة فيها .

ما هي المؤسسات الثقافية العربية ؟

نجدها متمثلة في تلك الجهات الحكومية الرسمية  والجمعيات والأندية الثقافية الأهلية وفي المكتبات بجميع أنواعها الوطنية والمتخصصة والأكاديمية والمدرسية والعامة والتجارية وفي دور الوثائق والمخطوطات والمتاحف كافة ، والمراكز الثقافية ودور السينما والمسرح وقاعات الفنون التشكيلية والعروض الفنية والموسيقية ، ودور النشر والتوزيع والدوريات الثقافية .

لكل من هذه المؤسسات أغراضها وأهدافها المتخصصة، في كافة الدول العربية ولها أعمالها وبرامجها وأنشطتها المتنوعة، ولكنها جميعاً تؤدي الدور الوطني (القطري) متضافرة لتفعيل وإنهاض الثقافة في المجتمعات العربية، والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل هناك من تكامل واندماج في استراتيجية وطنية واحدة على مستوى كل دول عربية؟ لا أعتقد أن ذلك موجود، بل يتطلب إعادة نظر ووضع الخطط والاستراتيجيات التوافقية والتشاركية بين القطاعين العام والخاص وكذلك القطاع الأهلي، في التفاهم والعمل الجماعي والتعاون المشترك لإقامة المشروعات والبرامج الوطنية ذات الأهداف الإيجابية البناءة، التي تعمل المؤسسات الثقافية العربية في كل بلد عربي على تحقيقها معًا، ونضيف لواقع المشهد الثقافي العربي حدة المنافسة الفردية للمؤسسات الثقافية العربية فيما بينها، وهو سلاح ذو حدين إن كانت منافسة سلبية تهدم البناء الجماعي المشترك، أو منافسة إيجابية لا تخلو من التعاون والتفاهم وتحقيق الآمال والأهداف المشتركة .

وعلى مستوى العمل الثقافي العربي القطري في كل دولة، يعلو صوت المطالبة لدى المفكرين والمثقفين العرب، الذين يطالبون بترسيخ وتطبيق مفهوم الدولة الوطنية أي الدولة ذات الانصهار والتعايش الاجتماعي الإنساني والتضامن والتكاتف لبناء الوطن على أساس الثقافة الوطنية الشاملة والتضامن والتكاتف لبناء الوطن على أساس الثقافة الوطنية الشاملة برغم تعددها وتنوعها والتي يجب أن يسودها الاحترام المتبادل .

والحذر الشديد من التعصب والتطرف والتشديد في تغليب الثقافات بين أفراد الشعب الواحد، فهو بداية أسباب التفكك والانهيار ، وهو البوابة التي تنفذ منها مصالح التقسيم والتفتيت للوحدة الوطنية على أساس ديني أو عرقي أو طائفي أو مناطقي، فالثقافة تجمع ولا تشتت وتوحد ولا تفرق، والثقافة إحدى أهم وسائل دعم الاستقرار وصنع السلام الداخلي والعربي القومي، وتتيح الثقافة أعظم فرص التنمية التعليمية والاجتماعية، ورفع مستوى الوعي والتنوير والإدراك الوطني المسؤول في المجتمع العربي الواحد، والدولة الوطنية والتي تعتمد الثقافة إحدى أهم مقوماتها ونموها وازدهارها، إنما تنشئ مشروع سياسي واجتماعي مستقر ومستدام حاضن لجميع أفراد الشعب، مهما تكن الاختلافات فيما بينهم، ومحلاً أساسياً للتقارب والتفاهم والقبول، ومن ثم يزيد فيها الانتماء والولاء للوطن، الأمر الذي لا تصنعه إلا الثقافة الرصينة ومع الدعوة المستمرة لانفتاح الثقافة المحلية والعربية على الثقافة العالمية ومواكبة الإنتاج الثقافي والمعرفي الرقمي عند العالم المتقدم، فمن المهم وضع الخطط وبرامج العمل في المؤسسات الثقافية العربية للنهوض بواقع الحال الذي لا يبعث على الرضا والسرور، وبحسب تقديرات منظمة اليونسكو فإن نسبة إسهام العالم العربي في إنتاج الكتاب الورقي والرقمي لا تتجاوز 0.9% من الإنتاج العالمي خلال الربع قرن الماضية، فيما النسبة في أوروبا 50% وعدد الكتب الصادرة في الثقافة العامة المنشورة على مستوى العالم العربي لا يتجاوز 5 آلاف عنوان في السنة، بينما يصدر- مثلا- في الولايات المتحدة الأمريكية نحو 300 ألف عنوان في السنة، وهي فجوة كبيرة يزيد من حدتها أيضا ضعف مستوى ونوعية المحتوى الثقافي والعلمي العربي وضعف كثافة النشر الفضائي.

إن تفعيل وتنشيط حركة الترجمة والتأليف والنشر، إضافة إلى تعزيز المحتوى الثقافي العربي الرقمي، يعد ضرورة لا غنى عنها في استشراف المستقبل الواعد، للاندماج في تيار الثقافة العالمية من موقع الندية والإسهام والمشاركة في ركب الحضارة العالمية بفعالية.

إننا في عصر الانفتاح الثقافي العالمي ويمثل لنا المستقبل التحدي الكبير للولوج والمشاركة والمنافسة وهذا الاتجاه لا يعني اتخاذ منعطف يلغي التراث والأصالة والهوية والقيم الاجتماعية والدينية والتقاليد الراسخة في نفوس العرب وثقافاتهم المتعددة، إنما هو انفتاح على العلوم والثقافات الأجنبية والمعارف التي ترفع من التواصل وتكسر الانغلاق عند بعض المجتمعات العربية وتقوقعها، مما يجعلها أكثر عرضة للوقوع بسهولة تحت أسر الفكر الواحد والرأي الواحد المتعصب، فتيارات الظلام والتطرف تنشط في أجواء الانغلاق الذي يسد الانفتاح والاستفادة من الإنتاج الفكري والثقافي العالمي بما يفيد المجتمعات ويحصنها ويقويها ويكسبها المنعة، والتصدي لأي غزو فكري هدام وضار بالمجتمع.

إن الدورة الحادية والعشرون لمؤتمر وزراء الثقافة العرب عقدت عام 2018 في جو اتسم  بتحديات كبرى تواجه السياسة الثقافية في البدان العربية، وهو ما يبرز اختيار موضوع: المشروع الثقافي العربي أمام التحديات الراهنة موضوعاً رئيسياً لهذه الدورة .

وإذا كان المقصود بهذا المشروع الثقافي العربي ، تلك البوصلة المؤدية إلى رؤى حضارية جامعة فمن نافلة القول إن التحديات الراهنة موضوع هذا المشروع كثيرة ومتنوعة، تتفاقم سطوتها سنة بعد سنة، ومن جملتها ما يؤثر في الحقل الثقافي بمفهومه الواسع، وهي التي تعني هذا المشروع الثقافي العربي انطلاقاً من راهن التحديات الثقافية الداخلية للدول العربية ، وأخذًا بالاعتبار واقع التحديات الثقافية العالمية .

لا يمكن تحصين الذات الحضارية العربية ضد الاختراقات الغربية المهيمنة، دونما قدره حقيقية على إنتاج هذه المضامين، وتخليصها من هيمنة العولمة الثقافية على الممارسات الثقافية، خصوصا لدى الشباب العربي، وهو ما يوسع الهوة بينه وبين موروثه وتراثه ومقومات هويته جيلاً بعد جيل .

وقد أخذ إعداد المشروع الثقافي العربي في الاعتبار، كون أقوى تحدياته تكمن أساساً في مغبة التناقض والاختلافات الموصلة إلى الصراع بين الشعوب، وهي النظرية الغربية التي تروج لصراعات الثقافات المزعوم، والتي سخرت له آلة  الإعلام الغربي الكاسر تدعمها منابر ثقافية وسياسية عربية مؤثرة، قادرة على اختراق المجتمع العربي للدعوة إلى الصراع المفتعل بين الثقافة الرجعية العربية في التقاليد الاجتماعية والتزمت الديني وبين الانفتاح والتطور والحرية الغربية.

علينا كعرب مسؤولية النهوض بالمشروع الثقافي العربي، والذي نحافظ فيه ومن خلاله على لغتنا العربية القوية محصنة من تأثير أي محاولات لإضعافها غربية كانت أم شرقية، والاستفادة فقط من التقدم العلمي والتكنولوجي في مختلف المجالات لما يحققه فيها الغرب من تطور هائل واكتشافات مثيرة وانعكاسات ذات فوائد جمة على الإنسان والمجتمعات والأمم .

ولذا علينا أيضاً مسؤولية التواصل والانفتاح بالحوار الموضوعي والتعامل الدولي البناء مع كل المنابر الثقافية الغربية، بروح التعايش السلمي والتفاهم والتسامح الذي يولد السلام والاحترام، ويمكننا بهذه الروح المنفتحة برقي حضاري أن نجعل من لغتنا  العربية مصدر إعجاب وتقدير أكثر من الغرب لها، والإٌقبال على فهمها والترحيب بانتشارها في المجتمعات الغربية وقبولها والاقتناع بها، والثقة بصناعها العرب المنفتحين منذ تاريخ اللغة العربية ذاته على الشعوب والقبائل والأمم للتعارف والتبادل الفكري والمعرفي الإنساني.

ومن المهم دعوة الدول العربية إلى بذل الجهود لتنفيذ إصلاح ثقافي شامل يؤسس ويرسم سياسات العرب الثقافية بناء على تشخيص دقيق لواقع الإنتاج والممارسات الثقافية، و تعزيز مكانة المعرفة وما يرتبط بها من صناعات إبداعية خلاقة بما يجعلها قادرة على المشاركة في منظومة الإنتاج المعرفي العالمي، مع المحافظة على خصوصيات كيانها الثقافي والحضاري .

إن مجموع التحديات التي تدعو إلى بناء مشروع ثقافي عربي وتحقيق الأمن الثقافي العربي ، محوره الأساسي  التعاون في العمل العربي المشترك وروافده كثيرة تحركها وتدفع مساراتها اللغة العربية .

ونستذكر لقاء وزراء الثقافة العرب  في مؤتمرهم الثاني والعشرون في الفترة من 18 وحتى 20 ديسمبر 2021م في إمارة دبي بدولة الإمارات العربية المتحدة.  

وصدر عن المؤتمرات عدة قرارات كان أهمها:-

  • اعتماد الدول العربية لإعلان دولة الإمارات العربية المتحدة للغة العربية بتاريخ 18 ديسمبر 2021م والمصادف اليوم العالمي للغة العربية ، والتوقيع على إعلان اللغة العربية بحضور الوزراء والمسؤولين عن الشؤون الثقافية في الوطن العربي لعدد (19) دولة عربية.

وفيما يلي العناوين الرئيسية لإعلان الإمارات للغة العربية:-

أولاً: اللغة العربية هوية.

ثانياً: تعليم اللغة العربية وتعلمها.

ثالثاً: المحتوى العربي.

رابعاً: تكنولوجيا اللغة العربية.

خامساً: الصناعات المتعلقة باللغة العربية.

سادساً: حركة الترجمة.

سابعاً: اللغة العربية والعلوم.

ثامناً: اللغة العربية لغة عالمية.

تاسعاً: المرجعيات والسياسيات الوطنية.

عاشراً: مستقبل اللغة العربية .

مراجعة الخطة الشاملة للثقافة العربية :

انطلق مشروع المراجعة من استعراض تحليلي لأهم التطورات التي ميزت المشهد الثقافي العربي خلال العشرية المنصرمة، وما اكتنف هذه التطورات من ملابسات وما حاق بها من مستجدات سياسية واقتصادية واجتماعية وما أفرزته من تحديات ورهانات جديدة .

أكد الوزراء المسؤولين عن الشئون الثقافية في الوطن العربي ، على أهمية مخرجات مشروع مراجعة الخطة الشاملة للثقافة العربية وتحديثها في تيسير التبادل الثقافي، وتطوير العمل الثقافي العربي المشترك .

وقدم أصحاب السمو والمعالي والسعادة رؤساء الوفود في كلماتهم التوجهات الاستراتيجية للدول العربية في مرحلة ما بعد جائحة كوفيد 19، التي أكدت على ضرورة حيوية وتفعيل المشروع الثقافي العربي المشترك الذي يساهم في صون الهوية العربية وحماية الأجيال الناشئة من مخاطر التطرف والانحراف .

كما بحث المؤتمر سُبل وآليات تعزيز الوحدة الثقافية العربية وضمان استدامها من خلال بناء مجتمعات المعرفة المتعددة والشمولية، وتعزيز انفتاح الثقافة العربية على ثقافات العالم ، ودعم الأواصر مع الثقافات الإنسانية، والإسهام الفاعل في صياغة المشروع الحضاري الإنساني في إطار قيم الاختلاف والتنوع مع مراعاة خصوصية اللغة العربية الجامعة والمؤيدة إلى الثقافة العربية الزاخرة حضاريا وتراثياً وتاريخيا ومعرفيا كونها تستمد ديمومتها وصيرورتها من تنوعها وعراقتها وتعدد مناهلها الجغرافية والتاريخية واللغوية .

ومن أبرز فصول الخطة الشاملة للثقافة العربية توجيه الاهتمام أكثر إلى المشروع النهضوي للغة العربية في إطار التنسيق والتعاون الثقافي العربي المشترك وتعزيز إمكانات الوحدة الثقافية للأمة العربية .

ووضع اللغة العربية في صدارة تطوير الاستراتيجيات الوطنية للتنمية الثقافية في الدول العربية ، وحث المؤتمر الدول العربية على الاستفادة من المزايا والخدمات التكنولوجية الرقمية ونشر المحتوى الثقافي والعلمي والأدبي العربي بما يعزز ويقوى التعاون والتواصل العربي المشترك ثقافياً، ورفع حصة المساهمات العربية في ذلك، واعتمادها على الصناعات الإبداعية في العالم العربي .

تقع على المؤسسات الثقافية العربية مسئولية كبيرة في دعم الحماية والإغاثة لصون التراث الثقافي العربي من الأضرار والاندثار خاصة في زمن النزاعات المسلحة والحروب وفي ظروف الكوارث والأزمات الطبيعية، خاصة مناطق الآثار والمباني التاريخية  والمعالم التراثية المادية، وهو إرث إنساني تاريخي خالد، ولأن العالم العربي يحفل بأضخم المواقع الأثرية لحضارات عريقة سادت العالم العربي منذ ما قبل التاريخ الميلادي بآلاف السنين، فإن المؤسسات الثقافية العربية عليها مطالب حماية الممتلكات الثقافية للبشرية والتعاون العربي الوثيق في هذا المجال، ونموذج ذلك في المنظمة العالمية لحماية التراث الثقافي (ALIPH) التي تأسست وأنشأت صندوق مالي من الدول والمنظمات المانحة لدعم جهود إنقاذ مناطق الآثار والمباني التاريخية المعرضة والتي تتعرض للأخطار وتحتاج إلى الترميم وإعادة التأهيل، والدول التي ساهمت في إنشاء المنظمة هي المملكة  العربية السعودية (30 مليون دولار) ودولة الإمارات العربية المتحدة (20 مليون دولار) ودولة الكويت (5 مليون دولار أمريكي ) بالإضافة إلى مساهمات دول أجنبية أخرى مثل الجمهورية الفرنسية وجمهورية الصين الشعبية وسويسرا وغيرها .

إن جميع ملفات النهوض بمستقبل الثقافة العربية، يعتمد على الشباب العربي فهم أساس النهضة المرتقبة ورهان المستقبل والطاقة المحركة والفاعلة لتطوير الواقع وإنماء الثقافة العربية، فالموارد البشرية العربية العاملة في قطاع الثقافة بالبلدان العربية بحاجة إلى مزيد الاهتمام بالتدريب وتنمية الموارد البشرية في حقول الثقافة كافة، وتأهيل الجيل الحاضر والأجيال القادمة بوسائل كسب المعارف الحديثة واستخدام التكنولوجيا والقدرة على إدارة وتشغيل المرافق الثقافية بكفاءة وجدارة .

ومن الجدير بالذكر أن خلق حزم من التشجيع والتحفيز لتوليد العطاء والإنجاز وبلوغ الإبداع والتميز، مثل منح الجوائز رفيعة المستوى وتقدير الدعم المعنوي والمادي والفني وتشجيع طباعة المؤلفات الجيدة والإنتاج المتميز، لتوسيع قاعدة الشباب الذين لهم إسهامات ثقافية قيمة مهمة جداً لإحداث نهضة جديدة عمادها الشباب العربي المثقف .

تم انتهاء الفترة المسموحة بالتعليق