التسجيلة
العدد الثاني 01/22/2023
مجلة رقمية دورية تصدر عن الفهرس العربي الموحد
الأستاذ في العلوم الاستراتيجية
الأستاذ في العلوم الاستراتيجية
تاريخ النشر : 18 أكتوبر، 2022
مستقبل منظومات الترجمة

يحتفل العالم في الثلاثين من سبتمبر بيوم الترجمة العالمي، ولا يختلف اثنان على أهمية الترجمة في رقي الحضارات ودفع مسيرة المعرفة لكل أمة، ويترجم العالم العربي اليوم أكثر من ذي قبل بفضل مختلف المبادرات والجهات التي تحاول نقل المعرفة الإنسانية في العالم العربي، فالدور الذي تسعى هيئة الترجمة للقيام به في مبادرة “ترجم”، لهو بالتأكيد عامل مهم لدعم المترجمين والترجمة، والجدير بالإشارة أيضا دور المرصد السعودي بالترجمة والذي يقوم بالرصد والتحليل للترجمات في المملكة والتي قام بها المرصد حسب ما ورد في تقريره حيث وثَّق المرصد حوالي 8,233 كتاباً مترجماً. وتتوج تلك المبادرات المحلية بالدور القيم الذي تلعبه جائزة الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمية للترجمة، والذي يحتفى بالترجمة والمترجمين من شتى أنحاء العالم.

وعربيا تشكل مبادرة هيئة أبو ظبي للنشر والسياحة لترجمة 10,000 كتاب ركيزة هامة لدعم المترجمين من كافة أقطار الوطن العربي، علاوة على الإرث والجهود الجبارة التي يقوم بها المركز القومي للترجمة والنشر في جمهورية مصر العربية.

كل تلك المبادرات التي ستخدم أكثر من 400 مليون عربي للاستفادة منها، ستؤثر في تسريع التقدم العملي على مستوى الدول ودفع المعرفة العربية بشكل عام. ومع ذلك هنالك عدد من الاعتبارات الواجب أخذها بعين الاعتبار حين التفكير في منظومات الترجمة في الوطن العربي، تبدأ تلك المنظومات أولا بالتفكير بالفاعلين، وعندما نتحدث عن الفاعلين هنا لا نخص فقط الأفراد متمثلين بالمترجمين و مؤسسات الترجمة، بل إن عالم اليوم دفع بفاعلين جدد مؤثرين في مجال الترجمة على رأسهم دور النشر، والجوائز، والأدوات التقنية التي تساعد المترجم من برامج الترجمة الفورية ومواقعها، وصولا إلى برامج التدقيق اللغوي والتي ما تزال في خطواتها الأولى مقارنة بما تملكه مثلا اللغة الإنجليزي من برامج التدقيق النحوي والأسلوبي مثل برنامج قرامرلي (Grammarly) أو ورد تون (Wordtune) أو تلك المنصات التي تقدم خدمات التدقيق اللغوية مستعينة بمتخصصين أو مهتمين بطريقة العمل عن بعد. ولذا فإن تكامل تلك المنظومات سيعزز من دور المبادرات.

ان دعم الترجمة في المملكة والوطن العربي ينبغي أن يبدأ من محط إنتاج الترجمة، أي من صاحب المحتوى العلمي والفكري أيا كان في هذا العالم، مرورًا بالتنسيق مع دور النشر والتربيط بخصوص التزامن بين الإصدار باللغة الأصل واللغة الهدف، وتعزيزا لكافة الأدوات التي يحتاجها المترجم للقيام بعملة من تقنية وبرامج وفرق داعمة، وصولا إلى الاستفادة من تلك المخرجات لدعم المعرفة واستثمارها بالشكل الذي يعود بالفائدة الحقيقية لخطط الدولة واستراتيجياتها.

يجادل المختصون حول ترجمة كل شي، والسؤال هنا هل فعلا نحتاج أن ترجم كل شيء؟ ماذا يهمنا أن نترجم ولماذا نترجم؟ وكيف تؤثر الترجمة في خلق المعرفة؟ هل يمكن خلق معرفة بدون الترجمة؟

جدير بالذكر أن الحضارات المنتجة للمعرفة هي من تفرض لغتها على العلماء وبالتالي تسبق في إنتاج المعرفة وتأتي بعد ذلك الترجمة، ولذا فإن منتجي المعرفة من العالم العربي، لا ينتجون معرفتهم – دائما – باللغة العربية، وهذا ما يدفعنا للربط بين منظومات البحث العلمي والابتكار والترجمة، وأهمية إعداد الأولويات الموضوعية للترجمة.

وانطلاقا من الربط ما بين المنظومة الداخلية للترجمة من أدوات وبرامج تقنية وفاعلين والتنسيق بينهم ووضع أولويات لمواضيع الترجمة؛ نؤكد على دورين هامين الأول سياسي والثاني استثماري، أما الأول فهو عن طريق المؤسسات والصناديق الحكومية بالضغط على كبريات الشركات التقنية مثل Google لإدخال اللغة العربية ضمن جميع مواقعها الفرعية ومراصدها العلمية وطرق البحث وتعداد الأبحاث وكواشف الاقتباسات العلمية وغيرها من الأدوات العلمية التقنية التي لا تدعم اللغة العربية. أما الدور الاستثماري فهو للشركات الكبرى في المملكة للاستثمار والدخول كشريك في الشركات التي تمتلك “المعارف الكلية” أو تؤثر على المعرفة العالمية من شركات النشر الكبرى والشركات التي تسيطر على دور النشر الإلكترونية العلمية أو تلك التي تدعم أدوات اللغة التي تساعد الباحثين للإنتاج المعرفي.

ختامًا: في يوم الترجمة العالمي الذي تحتفل وتحتفي به منظمات الترجمة واللغة في العالم، نتذكر إرثنا الجميل الذي دعم حركة الترجمة في الحضارة العالمية متمثل في إنشاء دار الحكمة، والذي كان نتيجة لشغف المعرفة ومحبة الأدب والفكر، من أجل رفعة الوطن ورفاه المواطن، ذلك الإنسان الذي يشكل أساس الوطن وعماده.

 

قم بتسجيل الدخول لتتمكن من التعليق دخول