التسجيلة
العدد الثاني 01/22/2023
مجلة رقمية دورية تصدر عن الفهرس العربي الموحد

عيوبه وآليات تجاوزها

أستاذ اللسانيات المشارك بجامعة السلطان قابوس
أستاذ اللسانيات المشارك بجامعة السلطان قابوس
تاريخ النشر : 18 أكتوبر، 2022
واقع معجم الطفل العربي

مرحلة الطفولة من أهم مراحل حياة الإنسان، إذ تنمو فيها قدرات الطفل، وفيها تتفتح مواهبه، فالطفل كما أكدت دراسات علماء اللغة النفسيين يولد وفي دماغه قدرة هائلة على اكتساب اللغات، قدرة تمكنه من كشف القواعد اللغوية كشفًا إبداعيًا ذاتيًا، ولذلك فإننا في أشد الحاجة إلى إعداد قاموس لغوي للأطفال لا يقل عن احتياجنا إلى منهج تعليمي تربوي يلبي الحاجات الفطرية لأطفالنا، ولا يتصادم مع قيمنا الدينية، وتقاليدنا وأعرافنا الإسلامية.

وبناء عليه فإن مراجعة ما تم إعداده وتأليفه في معاجم الأطفال، أو قواميس الأطفال، كما يسميها أصحابها هذه التسمية، ضرورة ملحة؛ لنتمكن من هذه المراجعات الوقوف على الهنات التي وقعت فيها هذه المعاجم، ووضع خطة منهجية نستطيع بها إعداد معجم يسهم في تنميتهم تنمية لغوية، ويعمل على توعيته بالرصيد اللساني القوي الذي بمقدوره تحريك المجتمع على أسس متينة، لنكسبه شخصية تتناسب مع طموحات المجتمع، ويستجيب للمتغيرات الآنية التي قد تحدث، فاللغة متجددة غير ثابتة، تستجيب لمتطلبات العصر ومتغيراته، فتموت ألفاظ وتحيا ألفاظ أخرى حسب حاجة المجتمعات والتطورات التي تحدث فيه، والطفل ليس بمنأى عن هذه التطورات، فهو جزء من المجتمع، وركيزة أساسية من ركائزه، فأطفال اليوم هم شباب الغد.

وليس الهدف كما يتصور بعض الباحثين، وبعض الدارسين أن نتتبع زلاتهم، لنصرف الجمهور عن قراءة ما ألفوا، وإنما هدفنا معرفة أوجه القصور لنكمله، وأوجه الفراغات لنسدها، وحتى لا نكرر ما كرره السابقون من هنات، ونبقى على نفس الدائرة لا نقدم لأطفالنا شيئًا يذكر.

ولنتمكن من مراجعة هذه المؤلفات مراجعة صحيحة، فإننا سنحكم الأسس المنهجية للنص المعجمي، وهي أسس أرسى دعائمها الدكتور محمد رشاد الحمزاوي، والدكتور إبراهيم مراد؛ ذلك أنها قامت على مسألتين مهمتين تعتمد عليهما المعاجم عامة، وهما مسألة الجمع ومسألة الوضع؛ وبها يحسن تأطير المعجم جمعا ووضعا بما يتناسب وحاجات الطفل، وإمكاناته.

وكي يسهل علينا معرفة أبعاد الموضوع وقياسه بصورة محسوسة أو قريبة من ذلك؛ خاصة لمن هم من غير أهل التخصص في اللغة العربية أو في المعجمية، لابد أن نوضح التعريفات، والمصطلحات المرتبطة به؛ ذلك أن التعريف صورة ذهنية يستطيع الفرد أن يتصورها عن موضوع ما حتى لو لم يكن لديه اتصال مباشر مع الموضوع أو القضية ذات العلاقة.

وأول هذه المصطلحات التي يجب علينا أن نقف عندها ونعرفها تعريفا اصطلاحيا، هي المعجم، فما هو المعجم؟

قد يتوهم بعض الأشخاص أن لفظ معجم اشتقت من لفظة (عجم)، ويقف عند تعريف ابن منظور للفظ (عجم) في قوله: ” العُجْم والعَجَمُ خلاف العُرب والعَرَب، والعُجْمُ جمع الأعجم الذي لا يفصح ولا يبين كلامه وإن كان عربي النسب، والأنثى عجماء، أما العجمي فهو الذي من جنس العجم أفصح أو لم يفصح، والأعجم الذي في لسانه عجمة”. فيحسب أن المعاني التي أوردها لسان العرب لا تساير المقصود من المعجم، إذ تدور حول ”الإبهام“ و ” الإخفاء“، بينما يستعمل الناس المعاجم لإزالة غموض الكلمات والعبارات وتبين مدلولاتها، ومعرفة طريقة كتابتها والنطق بها، في حين أن لفظ معجم اشتقت من (أعجم) على وزن ”أفعل“ وهو وزن يأتي في غالب أمره للإثبات والإيجاب، فنقول: ”أكرمت معلمي“ وتعني أنك أوجبت له الإكرام، وتقول: ”أحببت أمي“ وتعني أنك أوجبت لها المحبة، لكن هذا الوزن قد يراد به أحياناً السلب، أي أن همزة أفعل قد تقلب معنى ” فعل“ أحياناً إلى ضده، نحو أشكلت الكتاب أي أزلت إشكاله، و أشكيت زيداً أي أزلت شكواه، وقد فسر أهل النظر لفظة أخفيها في قوله تعالى : {إن الساعة آتية أكاد أخفيها} بإزالة الخفاء والستر. وإعجام الكتاب يعني نقطه وإزالة استعجامه، والإعجام هو تنقيط الحروف للتمييز بين المتشابهة منها في الشكل ( ب، ت، ث، ج، ح، خ، …). ومن هذه الدلالة جاءت تسمية الحروف الهجائية ب (حروف المعجم) نظراً لكون النقط الموجود في كثير منها يزيل التباسها، ومن هذه الدلالة أيضاً جاءت تسمية الكتاب الذي يزيل التباس معاني الكلمات بعضها ببعض، وغموضها بالمعجم.

أما كلمة القاموس فكانت تعني البحر أو البحر العظيم أو وسطه أو معظمه، أو أبعد موضع فيه غوراً، ويظهر أن بعض علماء العربية الأقدمين الذين حاولوا جمع اللغة كانوا يطلقون على مؤلفاتهم اسماً من أسماء البحر أو صفة من صفاته فأطلق الصاحب بن عباد على معجمه اسم ”المحيط“ وأطلق ابن سيده على معجمه اسم ”المحكم والمحيط الأعظم“، وسمى الصاغاني معجمه ”العباب“ أو ”مجمع البحرين“ إلى أن جاء الفيروز أبادي فأطلق على معجمه اسم ”القاموس المحيط“، فنال القاموس المحيط ثقة العلماء وطلاب العربية لما امتاز به من إيجاز وضبط ودقة، فلما طبع وانتشر بين جماهير المتعلمين أصبح أهم مرجع لدى هؤلاء لمعرفة مفردات اللغة يعتمدونه للتمييز بين الصحيح وغيره من الألفاظ، وبين القديم والمولد وبين العربي والمعرب حتى تولد لكلمة ” قاموس“ معنى جديداً في أذهان الناس، فكانوا يقولون: فلان قاموس لكذا أي جامع لعلمه، وربما تندروا قائلين: فلان يتقامس في كلامه: إذا كان يوشه كلامه بحوشي من ألفاظ القاموس. وعندما وضع أحمد فارس الشدياق كتابه ”الجاسوس على القاموس“ ساهم في شيوع كلمة ”قاموس“ بمعناها المولد أي بمعنى كلمة ”معجم”، وقد أثبت سعيد الشرتوني في معجمه ”أقرب الموارد“ المعنى لا لمولد لكلمة قاموس، فقال: ”القاموس: كتاب الفيروز أبادي في اللغة العربية، لقبه بالقاموس المحيط، ويطلقه أهل زماننا على كل كتاب في اللغة، فهو يرادف عندهم كلمة معجم وكتاب لغة“. ثم حافظ واضعو المعاجم العربية بعد الشرتوني على هذا المعنى المولد.

وكلمة قاموس اليوم تطغى على كلمة ”معجم” في الشهرة، إذ أخذ كثير من مؤلفي المعاجم (لا سيما ثنائية اللغة منها) يطلقون على معاجمهم كلمة ” قاموس“.

والمعجم أو القاموس حسب التعريف الاصطلاحي كتاب يضم أكبر عدد من مفردات اللغة مقرونة بشرحها وتفسير معانيها، على أن تكون المواد مرتبة ترتيباً خاصاً إما على حروف الهجاء أو الموضوع، والمعجم الكامل هو الذي يضم كل كلمة في اللغة مصحوبة بشرح معناها واشتقاقها، وطريقة نطقها وشواهد تبين مواضع استعمالها.

المرحلة العمرية وأهم مظاهر النمو اللغوي:

أما المصطلح الثاني الذي أرى أنه من الضرورة بمكان الوقوف عنده فهو مصطلح الطفولة، والطفولة تعرف على أنها مراحل عمرية يمر بها الإنسان تبدأ من الولادة حتى سن الثامنة عشرة، وهو سن البلوغ، وتتميز كل مرحلة من المراحل بميزات جسمية وعقلية ولغوية، فمثلاً:

  • المرحلة الأولى وفي الشهر الثاني عشر فهم معاني بعض الكلمات بالارتباط + الاستجابة للأوامر البسيطة التي يصاحبها الإشارة + عدد من الكلمات لا يزيد على أصابع اليد الواحدة.

  • المرحلة الأولى وفي الشهر الخامس عشر الكلمات الأولى معظمها أسماء مما يوجد في البيئة + مرحلة أصوات متعددة المقاطع.

  • المرحلة الأولى في الشهر 18 (الأفعال+ الصفات +الظروف + تكوين العبارات).

  • المرحلة الأولى في الشهر 24 (جمل بسيطة قصيرة تتكون غالبا من كلمتين).

  • المرحلة الثانية (الطفولة المبكرة) (2- 6 سنوات) مرحلة قبيل المدرسة وتمتد من نهاية الرضاعة حتى دخول المدرسة، وللنمو اللغوي في هذه المرحلة قيمة كبيرة في التعبير عن النفس والتوافق الاجتماعي والنمو اللغوي، ومن مطالب النمو اللغوي في هذه المرحلة تحصيل عدد كبير من المفردات وفهمها بوضوح وربطها مع بعضها البعض فيجمل ذات معنى، كما أن لديه القدرة على فهم لغة الأطفال والكبار.

  • الطفولة الوسطى (6 -9 سنوات) (المرحلة الابتدائية – الصفوف الثلاثة الأولى) مرحلة الجمل المركبة الطويلة، ويمتد إلى التعبير التحريري.

  • الطفولة المتأخرة (9 -12) تزداد المفردات ويزداد فهمها + يدرك الطفل التباين والاختلاف بين الكلمات، كما يدرك التماثل والتشابه اللغوي.

وقد خصصنا هذين المصطلحين بالتعريف لعدة أسباب:

  • أولها أن المعجم يخص الطفل، وبناء عليه فإننا عندما نقول معجم الطفل فهو إما أن يعنى بمعجم الألفاظ التي ينطقها الطفل، أو معجم ألفاظ مستلزمات الطفل، وكثيرا ما نجد أن الإضافة إنما يعنى بها المستوى الأول (ألفاظ ينطقها الطفل) وبناء عليه فإن علينا أن نتتبع سمة كل مرحلة من مراحل نمو الطفل؛ لأنه لا يمكننا بأي حال من الأحوال أن نضع معجما عامًا لكل المراحل العمرية في كتاب واحد؛ لأن لكل مرحلة ألفاظها الخاصة بها، ونظرا لعدم الالتفات إلى هذه المسألة، فإننا نجد عند تصفح بعض المعاجم بعض الهنات التي وقع فيها مؤلفوها في العنوان، فنجد لفظة “القاموس المصور للطفل العربي”، إعداد محمود أمين القوصي الصادر عن نهضة مصر، أو القاموس المدرسي، من ذلك “قاموس بدر قاموس مدرسي” الصادر عن دار البدر للطباعة والنشر الجزائر، وغيرها من القواميس والمعاجم التي تأتي على هذه الشاكلة، فنحن في هذه العناوين أمام معضلتين، تتحقق المعضلة الأولى في التعميم الطفل العربي دون أن يخصص صاحب المعجم معجمه بمرحلة معينة، أما العنوان الثاني فقد خص المؤلف معجمه أو قاموسه بأنه مدرسي، والقاموس المدرسي له بابه الخاص به، وله شروطه الخاصة به، وهي شروط ترتبط بالمنهج الجمعي، والمنهج الوضعي، ولابد أن نقف عند نقطة مهمة في المنهج الجمعي، وهي المصادر:

كلنا ندرك أن المعاجم ليست كتبا لطرح النظريات والأفكار بمقدار ما هي مراجع تقدم الألفاظ ودلالاتها والحقائق المتصلة بها، وكل ذلك ليس من ابتكار صانع المعجم؛ لأن واجبه أن يقدم للناس ما هو موجود ومستعمل، وبناء عليه فإن مستويات الطفل حسب المراحل العمرية تختلف وتتفاوت، مع أننا نقر أن المصدر الأول هو القرآن الكريم، إلا أننا نجد أن هذا المصدر يمكن تقسيمه حسب المراحل العمرية للطفل، وأكثرنا قد تربينا على يد معلمي القرآن في الكتاتيب، ولاحظنا من أين نبدأ، وبعضنا كان في طفولته يجلس مع ولي أمره فيقرئه شيئا من الجزء الأخير من القرآن، وهذا ينطبق على الأحاديث النبوية الشريفة، إذ ينتقى للطفل أحاديث معينة حسب المراحل العمرية التي يمر بها الطفل. في حين أن المصدر الذي تعتمد عليه المعاجم المدرسية هي الكتب المدرسية، والمناهج التربوية؛ لأنها تحتوي ألفاظًا يحتاجها الطالب لفهم دروسه.

ولنقف بصورة أفضل مع هنات المعاجم العربية المخصصة للأطفال، فإننا نقف عند القاموس المصور للطفل العربي، لننظر في بقية الأسس المعجمية؛ ذلك أن المعجم المدرسي ستكون مقوماته مختلفة عما نحن بصدد الحديث عنه.

  • ثانيها أن الوقوف عند مصطلح المعجم فإننا ندرك أن الأصل أن يضم المعجم أو القاموس ألفاظ اللغة مقرونة بشرحها، وهذا ما غيبه القاموس المصور للطفل العربي، فالقاموس المصور للأطفال بدأ بالصورة وشرح الصورة باللفظ، وهذا يشكل مرحلة خطيرة في البدء، لأن الطفل في مرحلته الأولى يتميز بسمة المحاكاة، وهذا ما نلحظه في جانب التعليم فهو يعمم الأشياء فكل ذوات أربع مثلا لديه فهو حيوان، فإذا نظرنا إلى صورة الكنيسة وهي أول صورة تواجهنا في القاموس فإن الطفل سيطبق ذلك حتى على المسجد فيقول كنيسة، والكنيسة تختلف عن المسجد.

والمعاجم المصورة نوع من أنواع المعاجم، وهي معاجم المعاجم المصورة: تساعد الصور على توضيح معاني الحسيات التي لا تقع تحت نظر المرء عادة، وقد ظهر هذا المعجم الذي يثبت صور كل الحسيات التي يتضمنها على يد اللغوي الألماني المعاصر (دودن) الذي لاحظ أن الألفاظ الغريبة في اللغة إنما تكثر في الحسيات لا في المجردات، فوضع معجماً على هيئة مجموعة لوحات تدور حول موضوع معين، فثمة لوحة للبيت وأخرى للسيارة، وثالثة لجسم الإنسان، ورابعة للطيور…الخ، ثم وضع للأجزاء الدقيقة في كل رسم في اللوحة أرقاماً، ووضع في الصفحة المقابلة للوحة الألفاظ بإزاء الأرقام الموجودة في اللوحة ثم رتب في القسم الأخير من معجمه جميع الألفاظ التي تضمنها ترتيباً هجائياً دون شرح أو تفسير، واضعاً أمام كل لفظة رقم اللوحة التي توجد فيها ورقمها في الرسم.

والأصل في المعاجم الأخرى غير المعاجم المصورة أن الصورة باب من أبواب التعريف أو ما يعرف بالنص المحض، فمن أنواع التعريف، التعريف بالصورة، وإذا قبلنا ذلك جدلًا، فإننا سنجد أننا أمام معضلة أخرى وهي أن هذا المعجم سيحوي المجردات أي المحسوسات فقط، إذ لا يمكنه أن يضم المعنويات، ونحن في أمس الحاجة في بعض مراحله العمرية أن نعلمه المعاني، أن نعلمه الصدق، أن نعلمه الود، أما سمعنا أطفالا يرددون كلمة أحبك لأمهاتهم ولآبائهم!.

وقد حوى المعجم بعض الكلمات التي تدل على المعاني المعنوية، ووضعها في صور لا تمت لها بصلة، ومنها كلمة إنتاج وضعها على الصناديق في صور المطبخ، كما نجد أن لفظة نشاط، وهي لفظة معنوية وليست محسوسة، قد مثل لها في صور النهار بطفل وطفلة وهما يجريان، وهذا يحدث بابًا من أبواب الخلط بين المحسوسات والمعنويات، فالكلمة الدالة على الصورة، قد ترتبط بذهن الطفل أن صورة الصندوق هي لفظة إنتاج.

كما نلاحظ أن مصدر هذه الصور هو الطبيعة الموجودة، وهذا من أبواب تميز هذه المعاجم، وما يخالطه الطفل في مجتمعه إلا أن الألفاظ الدالة على الصور قد تكون أعلى من ذهنية بعض الأطفال فلفظة عجوز مثلًا لا تتناسب مع أطفال المرحلة الأولى، ولفظة يافع لا تتناسب مع طلاب المرحلة الأولى، وقس عليها ألفاظ كثيرة جدًا وردت في مثل هذه المعاجم.

لذا فإن مما يجب الانتباه له أن معجم الطفل ينفرد بمواضيع تخصه، وتصب في جوهر تكوين شخصيته، فتتشكل مواده من القصص الديني الإسلامي الذي يتناول قصة من قصص سيرة الرسول عليه السلام، أو قصة من قصص الصحابة رضي الله عنهم، ، ومن القصص التاريخية مثل قصص الفتوحات الإسلامية، ومن قصة عن شخصية معينة، على أن تكون تربوية؛ ذلك أن الاعتبارات التربوية يجب أن تحتل مكان الصدارة في أي عملية موازنة، خاصة أننا نعلم أن هدف هذه القصص عنايتها بالقيم والفضائل، ومن هدفها غرس القيم النبيلة في نفوس الناشئة بذكر الفضائل التي تحلى بها الأنبياء والرسل مثل التسامح والصبر والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.

علما أنه ليس هدف معجم الطفل نقل المادة المعجمية بتوسع، إذ ليس هدفه رصد الثروة اللفظية اللغوية بأكبر قدر ممكن؛ إنما هدف هذا المعجم الاستيعاب والشمول، بأدق معانيهما؛ لذا وجب تقويم عملية التدقيق في المادة المجموعة والاختيار منها بالأدلة التي يعتمدها العلماء، وهي الصحة والحسن، وترك مواد لعدم صحتها أو لشذوذها، ومن ضمن هذه الأدلة القياس والسماع والاستصحاب. فحاجتنا إلى قاموس لغوي للأطفال لا يقل عن حاجتنا إلى منهج تعليمي تربوي يلبي حاجات أطفالنا الفطرية، ولا يتصادم مع قيمنا الدينية وتقاليدنا وأعرافنا الإسلامية.

ولنحقق هذا الهدف التربوي التعليمي التهذيبي، علينا تقويم عملية التدقيق في المادة المجموعة والاختيار منها بالأدلة التي يعتمدها العلماء في عملهم؛ لأن هذه العملية انتقاء مادة معجمية وفقا لصحتها وحسنها، وترك مادة لعدم صحتها أو شذوذها، إذا تمت حسب منهج متكامل منضبط ومنطقي، لأكملنا العملية التربوية والتعليمية التي تنشدها المجتمعات.

معاجم الأطفال ومنهج الوضع:

لقد وقفنا عند تعريف المعجم على أنه مرتب ترتيبًا خاصًا، والترتيب الخاص إما أن يكون ترتيبًا ألفبائيًا أو ترتيبًا أبجديًا، وقد يحسب بعض الأشخاص أن الترتيب الأبجدي هو الترتيب الألفبائي، وعندما يدرك الفرق بينهما فإنه يحسب أن هناك صعوبة على الأطفال في فهم الترتيب الأبجدي وإدراكه، وليس ذلك بعسير؛ لأن عقل الطفل قابل للتطوير والتعليم، وقد كان معلمونا رحمة الله عليهم أول ما يعلمونا إياه الترتيب الأبجدي ونحن في سن الخامسة من أعمارنا، فكنا نردد مع من هم أكبر منا سنًا (أبجد، ألف با جيم دال) حتى ننهي ثم نقطع الأيام والشهور العربية، وهذا ما تفتقده بعض الأمم العربية اليوم، بل هذا ما تفتقر إليه القواميس المصورة، ومنها القاموس المصور للطفل العربية، فالصورة الأولى ضمت لفظين وصورتين، هما صورة جبل وصورة كنيسة، درجا تحت صورة واحدة وهي في سينا.

وإذا وقفنا عند المداخل في الترتيب فإن أكثر المداخل لا يجمعها منطق معين، فيظهر على بعضها التكرار، من ذلك تكرار كلمة شجر، في الصور التي تضم حديقتي، وفي الصور التي تضم النهار، وتكرار كلمة مسجد في الصورة التي تضم قلعة صلاح الدين، والصور التي تضم في الشارع، وقد أوقعه في هذا التكرار البدء بالصورة لا باللفظ، ولنفترض افتراضًا أننا قبلنا أن يكون المدخل صورة فإن الأصل أن يجمع هذه الصورة جامع منطقي كأن يعتمد على منطق الحقول الدلالية، فبدلاً من أن يضع الأم والأب والولد والبنت كما أطلق عليها صاحب المعجم في صورة، ويضع في صورة حياتي صورة طفل شاب شيخ عجوز صبي، لو ربطها برابط منطقي وهو صورة الأسرة.

وبذلك فنحن نجد أن القاموس المصور، يفتقر إلى التعريف الدلالي، وهو مطلب أساسي من مطالب المعجم، أيًا كان نوعه، لا سيما إذا عرفنا أن الطفل يحب الاكتشاف ويحب المعرفة، وهنا نصيحة أيها الأحبة لا تتأففوا من أسئلة أبنائكم، فوالله أنكم كنتم في أعمارهم وكنتم تسألون، لماذا، وفي ماذا يستخدم، وغيرها من الأسئلة التي نستطيع أن نضعها في التعريف الدلالي نعلمه إياها في المعجم بصورة سهلة تتناسب مع المرحلة التي هو فيها.

فللتعريف دور مهم في تعليم الطفل، وهو الركن الأساس من أركان المعاجم العربية، فالتعريف عملية تمييزية؛ فوظيفته الأساسية ذكر السمات المميزة لمرجع أو لمفهوم ما عداهما من المراجع والمفاهيم، والوظيفة اللسانية للتعريف هي تحقيق ما بين الأدلة من فروق تمييزية في الدلالة ومنها على سبيل المثال لا الحصر، نقف عند:

التعريف الصوتي:

من الضرورة في معاجم الأطفال أن نأخذ بيد الطفل إلى الوصول إلى هجاء الكلمات وتعريفه على كيفية كتابتها، إذ يعين ذلك على اطلاع الطفل على قواعد اللغة، خاصة إذا عرفنا أن منهج أطفال ما قبل المدرسة في بعض المدارس يعتمد على تهجي الكلمات القرآنية حرفا حرفا مراعيا تهجي جميع الأحكام التجويدية.

ومن الوظائف المهمة التي يؤديها المعجم بيان نطق الكلمة أو صور نطقها، فمن المهم أن تنص المعجمات على طريقة لفظ المفردات؛ لأن التلفظ جزء أساسي في الوصف اللغوي، وقد أكد علي القاسمي أهمية هذا الجانب حين قال: “ولقد أدى ارتفاع أهمية اللغة المحكية أو المنطوقة إلى تفاقم الحاجة إلى المعلومات المتعلقة بطريقة التلفظ في المعجمات”.

وإن خلو المعاجم من هذه التعريفات لا سيما التعريف الصوتي قد يؤدي إلى أن ينطق الطفل الكلمة دون ضابط لغوي يحدها، فلفظة صَبِي مثلا، قد ينطقها طفل صْبَي، في مجتمع اعتاد على البدء بالساكن مثلًا، لأن طبيعة الطفل المحاكاة، وهذا ما عمدت إليه بعض القنوات الفضائية في فرض لهجتها على المجتمعات العربية، فنجد أفلامًا كرتونية يتحدث أطفالها بلهجة دولة من الدول، ثم نجد أن الأطفال في المجتمعات الأخرى يرددون تلك الألفاظ في مجتمعاتهم.

وهذا الحال ينطبق على بقية المستويات ومنها المستوى الصرفي والنحوي، فمن الضرورة بمكان أن يعرف الطفل مثلا تصريف الكلمات وجمعها، وتثنيتها، فجمع جبل مثلا يختلف من محافظة إلى محافظة؛ حسب الطبيعة الجغرافية للمناطق.

قم بتسجيل الدخول لتتمكن من التعليق دخول