لا يمكن أن يتطور القطاع الثقافي دون تنمية الكوادر البشرية ودعمها وتحفيزها باتباع منهجية واستراتيجية واضحة، لاسيما أن العمل الثقافي يحمل خصوصية عالية ويتميز بأنه عمل إبداعي ويحتاج إلى التجديد والتطوير المستمر. وقد أولت المملكة العربية السعودية اهتمامًا كبيرًا بسد الفجوة المعرفية وإعداد موارد بشرية مؤهلة وقادرة على المشاركة في زيادة معدلات الإنتاج والإبداع والاستثمار. وهو ما فطنت إليه وزارة الثقافة عبر تجربة برنامج “الابتعاث الثقافي” التي ترتكز على الاختيارات النوعية لتأهيل وتطوير الكوادر الوطنية المتخصصة في مختلف المجالات الثقافية الإبداعية والعمل على سد متطلبات سوق العمل بالكوادر والمواهب الوطنية المؤهلة في التخصصات الفنية والثقافية، ورسم أبعاد أرحب في التفاعل مع المجتمعات الثقافية من خلال مناهج وممارسات علمية.
ويواجه العالم تحولات جديدة في ظل تسارع التطور التكنولوجي ودوره الملموس في عملية التغيير البنيوي الثقافي والاجتماعي والتي أضافت حراكًا وزخمًا عالميًا نحو التحول الرقمي في كافة المجالات، بما فيها مجالي التعليم والتدريب، وساهم ذلك في وفرة البيانات وسهولة الوصول للمعلومات وتلاشي المسافة بين المعرفة المتوفرة وطالبها؛ مما يؤكد ضرورة العناية بالثقافة ومؤسساتها، وإدراك أهميتها على المستوى الرسمي وجعلها مكونًا أساسيًا في الخطط الاستراتيجية التنموية.
وفي العالم العربي اليوم نحن بحاجة إلى تعزيز التعاون والتشارك والتكامل في تطوير الموارد البشرية التي تعد عنصرا مهما للتنافسية الاقتصادية خاصة في مجتمع المعلومات، ونلاحظ أن الموارد البشرية العربية العاملة في قطاع الثقافة بالبلدان العربية بحاجة أيضًا إلى مزيد من الاهتمام بالتدريب والتأهيل واستخدام وسائل التكنولوجيا واكتساب المعارف الجديدة، وإلا سيجد العاملون في المؤسسات الثقافية أنفسهم أمام مجموعة من التحديات التي تتطلب مهارات ومعارف حديثة وكفاءة عالية من أجل تحقيق أهداف مؤسساتهم وضمان بقاءها واستمراريتها والقدرة على إدارة وتشغيل المرافق الثقافية بكفاءة وجدارة؛ حينها سيدركون أهمية إنشاء البرامج التدريبية المتخصصة في إطار مؤسسي محوكم بشكل سليم يشارك فيه أصحاب المصلحة وبشكل فاعل. وهذا يجعل الاهتمام بتطوير منظومة التدريب المهني للمحترفين في المؤسسات الثقافية المختلفة ضرورة وحاجة ملحة، تتطلب إعداد وتقديم برامج تدريبية متنوعة تعمل على تأهيل وتدريب الكوادر البشرية المتخصصة وتتناول كافة جوانب العمل ذات الصلة بخدماتها ومنتجاتها الثقافية والفكرية وفقاً لأعلى معايير الجودة العالمية. وقد كان للفهرس العربي الموحد في مكتبة الملك عبدالعزيز العامة منذ إنشائه رؤية متقدمة حينما آمن بأهمية التدريب وحرص على تنمية الكوادر البشرية القادرة على التعامل مع أحدث التقنيات وعمل على رفع أداء المفهرسين السعوديين والعرب على وجه الخصوص.
جميع هذه الجوانب تنقلها لكم التسجيلة عبر طرح آراء نخبة من الكتاب والمختصين في الشأن الثقافي واستعراض وجهة نظرهم حول موضوع التدريب وتنمية الموارد البشرية من زوايا مختلفة وفق ممارساتهم وتجاربهم وخبراتهم العلمية والعملية.