الابتعاث الثقافي.. تبادل معرفي وحضاري

في السابع والعشرين من ديسمبر عام 2019م كتب صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة على منصة تويتر ما نصه “التعليم أولاً.. التعليم أخيراً”، هذه الأربع كلمات تصف حرفياً طموح ومبادرات وزارة الثقافة. تكرار التعليم مرتين دلالة واضحة على قيمة التأهيل العالي المستوى مع ضرورة المزج بين الموهبة والمعرفة، ويترجم ذلك بشكل دقيق وعملي برنامج “الابتعاث الثقافي”، ليكون المشروع الأبرز ضمن مسارات التدريب والبناء الأكاديمي، نموذجاً مبتكراً في تخصيص فرص مركزة على مجالات محددة في القطاع الثقافي، وبما يحقق الجانب الموازي لتهيئة البيئة الجاذبة والداعمة من خلال القدرات والكوادر الاحترافية.

الأول من يوليو 2021م أعلنت وزارة الثقافة إصدار قرار ابتعاث الدفعة الأولى والبالغ عددهم 79 طالباً وطالبة سعوديين ضمن برنامج الابتعاث الثقافي، وفي 27 يوليو 2021م صدر قرار ابتعاث الدفعة الثانية لـ 149 طالباً وطالبة، الدفعة الثالثة في 22 أغسطس 2021م شملت 54 طالباً وطالبة، في 12 أكتوبر 2021م كان موعد الدفعة الرابعة من برنامج الابتعاث الثقافي وشملت 77 طالباً وطالبة، الدفعة الخامسة تضمنت 78 طالباً وطالبة صدر قرار ابتعاثهم في 18 نوفمبر 2021م، في العام الجديد وتحديداً السادس من فبراير 2022م أصدرت وزارة الثقافة قرارات ابتعاث المجموعة السادسة من طلبة وطالبات برنامج الابتعاث الثقافي وشملت 35 طالباً وطالبة، ليصبح مجموع قرارات الابتعاث الصادرة حتى الآن في المجموعات الستة 472 طالباً وطالبة، في مختلف الدرجات العلمية “البكالوريوس والماجستير والدكتوراه”، وذلك في مسارات برنامج “الابتعاث الثقافي” الثلاثة، وهي: مسار الراغبين الجدد في الدراسة (البرنامج التأهيلي) الذي يتضمن برنامجاً تأسيسياً داخل المملكة، ومسار الدارسين على حسابهم الخاص، ومسار الحاصلين على قبول مسبق.

تجربة برنامج “الابتعاث الثقافي” ترتكز على الاختيارات النوعية لتأهيل وتطوير الكوادر الوطنية المتخصصة في مختلف المجالات الثقافية الإبداعية، في حين تنوعت تخصصات الطلبة والطالبات بين الآداب واللغات واللغويات، تصميم الأزياء والتصميم، صناعة الأفلام، الفنون البصرية، علم الآثار، المسرح، فنون الطهي، المكتبات، المتاحف، فنون العمارة، الموسيقى. ويقابل المعايير الانتقائية في تحديد المؤهلين للابتعاث لدراسة تخصصات فنية وثقافية جودة عالية في التوجه نحو جامعات ومعاهد عالمية، تجسيد عن قيمة صقل المواهب من خلال فاعلية الاحتكاك بالخبرات والممارسات الفاعلة، وفي الوقت نفسه وسيلة استكشافية للتعرف على ثقافات جديدة والتعريف بالثقافة السعودية باعتبار كافة المبتعثين سفراء عن الثقافة السعودية، كذلك إيجاد مساحة تقاطع بين الثقافة المحلية والعالمية بما يساهم في تقديم منتجات لها بصمة سعودية في إطار عالمي، وليكون الابتعاث الثقافي أيقونة تبادل معرفي وحضاري يتكفل بها ويحققها المبدع السعودي.

قيمة برنامج “الابتعاث الثقافي” علاوة على أنه يعد الأول من نوعه في تاريخ المملكة عبر شموليته وتنوعه واختصاصه بالمجالات الثقافية والفنية، وتوجهه نحو تطوير الكوادر الوطنية الثقافية وتأهيلها وتدريبها بالأعداد التي تُلبي احتياجات سوق العمل المتزايدة المحققة لأهداف رؤية السعودية 2030 في جوانبها الثقافية، فإن وزارة الثقافة تعمل من خلاله إلى سد الاحتياج الذي يتطلّبه سوق العمل للكوادر والمواهب الوطنية المؤهلة في التخصصات الفنية والثقافية، وترسم أبعاداً أرحب في التفاعل مع المجتمعات الثقافية من خلال مناهج وممارسات علمية، إضافة إلى أنها رحلة إثرائية في تشكيل شخصية المبدع وتنمية الحرفة، ورفع سقف جودة المنتجات، وبذلك تكون هذه الخطوة المتمثلة في برنامج “الابتعاث الثقافي” بذوراً في حقل نهضة منظومة القطاع الثقافي ستؤتي ثمارها بشكل تتابعي، وتأكيداً على وجود المواهب السعودية القادرة على المنافسة وجذب الانتباه والتفوق، وكذلك اختصار للوقت واختزال للمراحل من خلال طريقة مثالية في نقل المعرفة إلى مبدعين قادرين على بث الحركة والحيوية على المنظومة والمبدعين السعوديين، مسيرة بدأت وطموح يتنامى بشغف واحترافية ملهمة، ومبهجة.