التسجيلة
العدد الثاني 01/22/2023
مجلة رقمية دورية تصدر عن الفهرس العربي الموحد

جهود مكتبة الملك عبد العزيز العامة في ترجمة ونشر أدب الأطفال

أستاذة جامعية، وباحثة في أدب الأطفال
أستاذة جامعية، وباحثة في أدب الأطفال
تاريخ النشر : 7 أكتوبر، 2022
الدور الثقافي للترجمة

تحتل القصة الصدارة من بين الفنون الأدبية الموجهة للطفل. وفي أدب ا لطفل العربي تنشط حركة الترجمة في مجال القصة؛ فالمتابع لحركة النشر في قصص الأطفال يرى كماً هائلاً من القصص المترجمة التي تصدرها دور النشر العربية. ولا تغيب مكتبة الملك عبد العزيز العامة -كعادتها- عن هذا المجال الثقافي المهم؛ إذ أخذت على عاتقها نقل النصوص المميزة من عدة لغات أخرى إلى العربية، وفي اتجاه آخر نقل النصوص العربية لكتاب سعوديين إلى لغات أخرى. وهذه المقالة تنظر في جهود مكتبة الملك عبد العزيز العامة في ترجمة ونشر أدب الأطفال، ومنه تتجه إلى الدور الثقافي للترجمة، وتأثيره منذ اختيار النص حتى اكتمال نقله إلى الثقافة المستهدفة (وهي هنا الثقافة العربية) وذلك من أجل تطوير وإثراء هذه التجربة وإغنائها. وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال مهم عن مدى أهمية الترجمة، وما الذي تضيفه إلى حركة النشر العربي للأطفال؟

لماذا الترجمة إلى العربية؟

لا يخفى على الجميع أن أدب الأطفال العربي جاء متأخراً عن غيره من الآداب، إذ كانت بداياته مطلع القرن العشرين، عندما دعا أمير الشعراء أحمد شوقي إلى ضرورة التوجه إلى الصغار والكتابة لهم، وكان ذلك عام ١٩١٣م، وقام هو أولا بكتابة قصائد موجهة للأطفال نُشرت في الجزء الأخير من الشوقيات.  وبالرغم من أن أدب الأطفال شهد عناية واضحة أدت إلى قفزات كبرى خلال العقدين السابقين، إلا أنه مازال متأخراً كماً ونوعاً إذا ما قورن بآداب البلاد المتقدمة الشرقية والغربية. ومن أجل ذلك اتجهت كثير من دور النشر العربية إلى الترجمة لسد النقص الموجود في الأدب العربي وإثراء مكتبة الطفل العربية. ومن هنا كان توجه مكتبة الملك عبد العزيز العامة ومبادرتها المبكرة للترجمة، حيث أخذت على عاتقها منذ تأسيسها العناية بكتب وثقافة الطفل في مجالاته المختلفة.

متى بدأت ترجمة كتب الأطفال في مكتبة الملك عبد العزيز العامة؟

بدأت الترجمة لكتب الأطفال في مكتبة الملك عبد العزيز العامة عام ١٤٢٨ه، بمبادرة من رئيسة لجنة النشر للأطفال في المكتبة في ذلك الوقت، الأستاذة فاطمة بنت محمد الحسين. وقد وضعت اللجنة معايير مهمة عند اختيارها للكتب التي ستترجم إلى العربية، من أهمها:

  • أن يتناول الكتاب قيمة إنسانية عامة.
  • ألا يتعارض مع ثوابت العقيدة الإسلامية.
  • أن يكون مميزاً بفكرته وإخراجه ورسومه.
  • أن يسد النقص في المكتبة العربية دون أن يكرر ما هو موجود فيها.
  • أن يكون شائقاً للطفل وقريباً من عالمه.
  • قابلية ترجمة الكتاب إلى اللغة العربية وعدم ارتباط لغة الكتاب على ميزات اللغة الأم.
  • تقديم الكتب الفائزة بالجوائز العالمية -إذا لم تتعارض مع الشروط السابقة-.

وقد كانت البداية بترجمة عدد من قصص الكاتب الأمريكي ليو ليوني، ثم اجتهدت اللجنة في التواصل مع سفارات الدول وملحقياتها الثقافية في المملكة من أجل ترشيح أبرز ما لديهم من كتب للأطفال ومن ثم التعاون في نقلها إلى اللغة العربية من خلال التواصل مع دور النشر والمترجمين. ومن أجل ذلك نلحظ تنوعا كبيراً وثراء في اختيار تلك الكتب من لغات وثقافات مختلفة (انظر جدول الكتب المترجمة). ومازالت الجهود مستمرة حيث تنشر المكتبة سنوياً مالا يقل عن خمسة كتب مترجمة.

جدول الكتب المترجمة

ويلحظ في هذا الجدول تعدد اللغات والآداب التي نقلت منها النصوص القصصية إلى العربية، مما يثري تجربة الطفل العربي ويغنيها.

الدور الثقافي للترجمة:

إن أهم دور تقوم به الترجمة هو التبادل الثقافي بين سائر الشعوب والثقافات، ونقل ما لدى الآخرين من علوم ومعارف وفنون وآداب وعادات وتقاليد. ويعد التبادل الثقافي من علامات قوة أي أمة، فهي قادرة على المشاركة والتفاعل مع الآخر المختلف، والاستفادة منه في تنمية الثقافة وبناء الحضارة. وهذا ما قامت به الثقافة العربية الإسلامية في أوج ازدهارها؛ فقد حرص المسلمون الأوائل على نقل ما لدى الأمم الأخرى كاليونان والرومان والهنود والفرس وغيرهم وترجمته إلى العربية.

والترجمة للأطفال تأتي من هذا الباب، فهي تثري ثقافة الطفل، وتجعله أكثر انفتاحاً وتقبلاً للمختلف خاصة إذا كان ذلك في الإطار الإنساني العام. كما أنها تفتح أبواباً إبداعية جديدة لكتاب الأطفال العرب فيختبروا تجارب جديدة تمهدهم للارتقاء بأدب الأطفال.

 

الصعوبات التي قد تواجها الترجمة:

تعد ترجمة العناصر الثقافية من أهم الصعوبات في ترجمة النصوص الطفلية والقصصية على وجه الخصوص، وذلك لأن الترجمة للأطفال ماهي إلا إنتاج يمكن أن يعّدل، أو يحّور، أو يقتبس لصالح احتياجات المتلقي(الطفل) وتوقعاته.

 

وقد تناول الدارسون تقنيات ترجمة العناصر الثقافية من اللغة والثقافة الأصل إلى اللغة والثقافة المستهدفة، وأشاروا إلى عشر مجموعات تدخل في الاقتباس للسياق الثقافي، وهي: المرجعيات الأدبية، واللّغات الأجنبية في النص الأصل، والمرجعيات المرتبطة بالميثولوجيا والمعتقدات الشعبية، والخلفيات التاريخية والسياسية والدينية، والبنايات والأثاث المنزلي والأطعمة، والعادات والممارسات والألعاب، والنباتات والحيوانات، والأسماء الشخصية والعناوين، وأسماء الحيوانات الأليفة والأشياء، والأسماء الجغرافية، والموازين والقياسات. ولترجمتها يقترحون عدداً من التقنيات أو الاستراتيجيات:[1]

  • إضافة الشرح، حيث يحتفظ المترجم بالعنصر الثقافي الوارد في النص الأصل، ويضيف إليه شرحاً بسيطاً داخل النص المستهدف.
  • إعادة الصياغة، حيث يعيد المترجم صياغة ما ورد في النص الأصل دون إدراج العنصر الثقافي.
  • الترجمة الشارحة، حيث تُدرج وظيفة العنصر الثقافي واستعماله عوضا عن اسمه الأجنبي.
  • الشرح خارج النص، وإضافة معلومات غير موجودة في النص الأصلي وذلك على شكل تفسير أو في الهامش.
  • الاستبدال بمكافئ من ثقافة اللغة المستهدفة.
  • التبسيط.
  • الحذف، أي حذف كلمات، أو جمل أو فقرات.
  • التوطين، Localizatio حيث يقرب المترجم العناصر الثقافية العاّمة إلى متلقي النص المستهدف.

كما صنفوا النصوص المترجمة إلى ثلاثة أنواع:

١-الترجمات التغريبية:

لأن أدب الأطفال يسعى إلى المثاقفة، وذلك بتشجيع الطفل على اكتشاف الآخر وثقافته، فهناك نصوص ترجمت إلى العربية دون أي تغيير في النص أو الرسوم، فتظهر في الصور البيئة الغريبة على الطفل العربي والمختلفة عن بيئته، خاصة إذا كانت النصوص لا تحمل ما يعارض أو يصادم البيئة المستهدفة(العربية). ومن تلك النصوص في قائمة مكتبة الملك عبد العزيز العامة قصص “ميلو ومولي“، وقصة “قلب أحمر لأم بيلا” وقصة “ستيلالونا” حيث أبقت الترجمة على الأسماء الأجنبية كما هي، كما أبقت البيئة دون حذف أو تبديل. ومثلها قصة “برعمة على السجاد” و”مصارعة الفئران” و”عوالم صغيرة“.

٢-الترجمات المحايدة:  

وهي التي تترك النص كما هو دون تغيير، وذلك في النصوص المحايدة التي تحمل فكرة إنسانية عامة تصلح لكل الثقافات. ومن ذلك “قصة السباحة” التي تدور أحداثها في بيئة البحر دون أي إحالات أو إشارات ثقافية، وكذلك قصة “لونها الخاص” و “تيكو” وغيرها.

٣-الترجمات التوطينية:

حيث يقرب المترجم العناصر الثقافية العامة إلى متلقي النص المستهدف، فيكیف العناصر الأجنبیة المرتبطة بثقافة ما ليجعلھا ضمن الثقافة المستھدفة. مثال ذلك تغيير الأسماء واستبدالها بأسماء عربية، مثل قصة ” طيف تسارع للإنقاذ“فطيف كانت في القصة الأصل باسم قوس قزح: rainbow fish. وكذلك بعض التعديلات التي أجريت على كتب فنون العالم في حذف ماله علاقة بمعتقدات تتعارض مع العقيدة الإسلامية.

ختاما.. إن الترجمة تفتح أبواباً واسعة لأدب الطفل العربي، فهي تثريه وتسد ما فيه من نقص، وتسهم في تطوير كتابه ومبدعوه، بالإضافة إلى دورها الثقافي في الانفتاح على آداب الأمم الأخرى.

[1]  أدب الأطفال المقارن، إمر أوسولفيان، ترجمة وفاء السبيل، ٢٠٢٠م: استراتيجيات الترجمة ص ١٤٤-١٤٥

قم بتسجيل الدخول لتتمكن من التعليق دخول